التّفسير
هل أنتم الزارعون أم الله؟
إستعرضنا لحدّ الآن أربعة أدلّة من الأدلّة السبعة التي جاء ذكرها في هذه السورة حول المعاد، والآيات - مورد البحث واللاحقة لها - تستعرض الأدلّة الاُخرى المتبقّية والتي كلّ منها مصداق لقدرة الله اللا متناهية.
فالدليل الأوّل يرتبط بخلق الحبوب الغذائية، والثاني يرتبط بخلق الماء، والثالث يتعلّق بالنار.
وهذه المحاور تشكّل الأركان الأساسيّة في الحياة الإنسانية، فالحبوب النباتية أهمّ مادّة غذائية للإنسان، والماء أهمّ عنصر للحياة، والنار أهمّ وسيلة لإصلاح المواد الغذائية وسائر اُمور الحياة الاُخرى.
يقول سبحانه في البداية: (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون).
الملفت للنظر هنا أنّ الآية إستعملت تعبير (تحرثون) من مادّة (حرث) على وزن (درس) وهو يعني الزراعة ونشر الحبوب وتهيئتها للإنبات، وفي الآية الثانية كان التعبير بـ (تزرعونه) من مادّة "زراعة" بمعنى النمو والنضج.
ومن البديهي أنّ عمل الإنسان هو الحرث فقط، أمّا النمو فهو من عمل الله سبحانه فقط، ولذا نقل في حديث عن رسول الله (ص) أنّه قال: "لا يقولنّ أحدكم زرعت وليقل حرثت، فإنّ الزارع هو الله"(1).
شرح هذا الدليل هو أنّ عمل الإنسان في الزرع كعمله في الإنجاب حيث ينثر البذرة ويتركها، والله سبحانه هو الذي يخلق في وسط هذه البذرة الحياة، فعندما توضع البذرة في محيط مهيّأ من حيث التربة والضوء والماء، فإنّها تستفيد إبتداءاً من المواد الغذائية المخزونة فيها إلى أن تصبح برعماً وتولّد جذراً، ثمّ تنمو بسرعة عجيبة مستفيدة من المواد الغذائية الموجودة في الأرض حيث تعمل أجهزة عظيمة وتحدث تغييرات عميقة في داخل النبات، تتمخّض عن أغصان وسيقان وأوراق وثمار .. وأحياناً تنتج البذرة الواحدة عدّة آلاف من البذور(2).
يقول العلماء: إنّ التركيبات الموجودة في بناء نبات واحد أعجب وأعقد بمراتب من التشكيلات الموجودة في مدينة صناعية عظيمة مع معاملها المتعدّدة.
هل أنّ القوّة التي لها مثل هذه القدرة تعجز عن إحياء الموتى مرّة اُخرى؟
﴿أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ﴾ تنبتونه ﴿أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾.