وفي الآية اللاحقة يؤكّد الدور الهامشي للإنسان في نمو ورشد النباتات فيقول: (لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون).
نعم، يستطيع الباريء أن يرسل رياحاً سامّة تقتل البذور قبل الإنبات وتحطّمها، أو يسلّط عليها آفة تتلفها بعد الإنبات كالجراد، أو تنزل عليها صاعقة كبيرة بحيث لا تبقي ولا تذر إلاّ شيئاً من التبن اليابس، وعند ذلك تضطربون وتندمون عند مشاهدتكم لمنظرها.
هل كان بالإمكان حدوث مثل هذه الاُمور إذا كنتم أنتم الزارعون الحقيقيون؟ إذاً فاعلموا أنّ كلّ هذه البركات من مصدر آخر.
"حطام": من مادّة (حطم) على وزن (حتم) تعني في الأصل كسر الشيء، وغالباً ما تطلق على كسر الأشياء اليابسة كالعظام النخرة وسيقان النباتات الجافّة، والمقصود هنا هو التبن.
ويحتمل أيضاً أنّ المقصود بالحطام هنا هو فساد البذور في التربة وعدم نموّها(3).
"تفكّهون": من مادّة (فاكهة) بمعناها المتعارف، كما تطلق فكاهة على المزاح وذكر الطرائف التي هي فاكهة جلسات الاُنس، ويأتي هذا المصطلح أحياناً للتعجّب والحيرة، والآية مورد البحث من هذا القبيل.
في بعض الأحيان يضحك الإنسان في الحالة العصبية وتسمّى هذه الضحكة بـ (ضحكة الغضب) كما في المزاح الذي يكون عند الظروف الصعبة والمصائب الثقيلة، وبناءً على هذا فالمقصود: بالفكاهة - أحياناً - هو المزاح المقترن بالألم.
نعم تتعجّبون وتغمركم الحيرة وتقولون (إنّا لمغرمون(2) (3) بل نحن محرمون).
وإذا كنتم أنتم الزارعين الحقيقيين، فهل بإمكانكم أن تمنعوا وتدفعوا عن زرعكم الأضرار والمصير المدمّر والنتيجة البائسة؟ وهذا التحدّي يؤكّد لنا أنّ جميع اُمور الخلق من الله سبحانه، وكذلك فإنّه هو الذي ينبت من بذرة لا قيمة لها نباتات طريّة وأحياناً مئات أو آلاف البذور منها، تلك النباتات التي يتغذّى عليها الإنسان بشكل أساسي ويستفيد من أغصانها وأوراقها وأحياناً جذورها وبقيّة أجزائها غذاء للحيوان ودواء للأمراض والأسقام.
﴿لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾ نباتا هشيما ﴿فَظَلَلْتُمْ﴾ أصله ظللتم بكسر اللام فحذفت تخفيفا ﴿تَفَكَّهُونَ﴾ أصله بتاءين فحذفت إحداهما تعجبون أو تندمون على إنفاقكم فيه والتفكه التنقل بالفواكه استعير للتنقل بالحديث وتقولون