وأخيراً فإنّ المؤمنين - بلحاظ ما تقدّم - يخاطبون المنافقين بقولهم: (فاليوم لا تؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا) وبهذا الترتيب يواجه المنافقون نفس مصير الكفّار أيضاً، وكلّهم رهينة ذنوبهم وأعمالهم القبيحة، ولا يوجد لهم أي طريق للخلاص.
ثمّ يضيف سبحانه: (مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) (4).
الإنسان - عادةً - لكي ينجو من العقوبة المتوقّعة في الدنيا، يتوسّل للخلاص منها إمّا بالغرامة المالية أو طلب العون والمساعدة من قوّة شفيعة، إلاّ أنّه هناك - في يوم القيامة - لا يوجد أي منهما ينقذ الكفّار والمنافقين من العذاب المحتوم عليهم.
وفي يوم القيامة - عادةً - تنقطع كلّ الأسباب والوسائل المادية المتعارف عليها في هذا العالم للوصول إلى المقاصد المرجوة، كما تنفصم الروابط حيث يقول سبحانه: (إذ تبرّأ الذين اتّبعوا من الذين ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب)(5).
(يوم لا بيع فيه ولا خلّة)(6).
(ولا يؤخذ منها عدل)(7).
(يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً)(8).
(يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً)(9).
(فلا أنساب بينهم يومئذ)(10).
(كلّ نفس بما كسبت رهينة)(11).
وبهذه الصورة يوضّح القرآن الكريم أنّ الوسيلة الوحيدة للنجاة في ذلك اليوم هي الإيمان والعمل الصالح في الدنيا، حتّى أنّ دائرة الشفاعة محدودة للأشخاص الذين خلطوا عملا صالحاً وآخر سيّئاً وليسوا من الغرباء مطلقاً عن الإيمان والذين قطعوا إرتباطهم بصورة كليّة من الله وأوليائه وعصوا أوامره.
ملاحظة
الإستغاثة العقيمة للمجرمين:
نظراً إلى أنّ الكثير من الناس في يوم القيامة يجهلون طبيعة النظام المهيمن هنالك ويتصوّرون أنّ نفس أنظمة الدنيا تحكم هناك أيضاً، فيحاولون إستخدامها.
إلاّ أنّه سرعان ما يتبيّن الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه.
فأحياناً يتوسّل المجرمون بالمؤمنين بقولهم لهم: (انظرونا نقتبس من نوركم ...) إلاّ أنّه بسرعة يواجهون الردّ الحاسم، وهو أنّ منبع النور ليس هنا، إنّما في دار الدنيا حيث تخلّفتم عنه بالغفلة وعدم المعرفة.
وأحياناً يطلب كلّ منهم العون من الآخر (الأتباع من قائدهم) فيقولون: (فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء)(12)وهنا يواجهون الردّ المخيّب لآمالهم أيضاً.
ثمّ إنّهم يستنجدون ويلتمسون العون من خزنة جهنّم حيث يقولون: (ادعوا ربّكم يخفّف عنّا يوماً من العذاب)(13)
وأحياناً يتجاوزن ذلك ويلتمسون من الله أن يخفّف عنهم حيث يقولون: (ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون)(14)
ولكن هذا الطريق هو الآخر مغلق عليهم أيضاً، لأنّ عهد التكليف قد إنقضى وهذه دار الجزاء والعقاب.
﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ﴾ بالياء والتاء ﴿مِنكُمْ فِدْيَةٌ﴾ فداء ﴿وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ علانية ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ﴾ أولى بكم ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ هي.