ثمّ يستعرض تعالى حكم الظهار بجمل مختصرة وحاسمة تقضي بقوّة على هذا المفهوم الخرافي حيث يقول سبحانه: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أُمّهاتهم إن اُمّهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم).
"الاُمّ" و "الولد" ليس بالشيء الذي تصنعه الألفاظ، بل إنّهما حقيقة واقعية عينية خارجية لا يمكن أن تكون من خلال اللعب بالألفاظ، وبناءً على هذا فإذا حدث أن قال الرجل لزوجته مرّةً: (أنت عليّ كظهر اُمّي) فإنّ هذه الكلمة لا تجعل زوجته بحكم والدته، إنّه قول هراء وحديث خرافة.
ويضيف تعالى مكمّلا الآية: (وإنّهم ليقولون منكراً من القول وزوراً)(2).
وبالرغم من أنّ قائل هذا الكلام لا يريد بذلك الإخبار، بل إنّ مقصوده إنشائي، يريد أن يجعل هذه الجملة بمنزلة (صيغة الطلاق) إلاّ أنّ محتوى ذلك واه، ويشبه بالضبط خرافة (جعل الولد) حين كانوا في زمن الجاهلية يتبنّون طفلا معيّناً كولد لهم، ويجرون أحكام الولد عليه، حيث أدان القرآن الكريم هذه الظاهرة وإعتبرها عملا باطلا ولا أساس له، حيث يقول عزّوجلّ: (ذلك قولهم بأفواههم)(3)، وليس له أي واقعية.
وتماشياً مع مفهوم هذه الآية فإنّ "الظهار" عمل محرّم ومنكر، ومع أنّ التكاليف الإلهية لا تشمل الممارسات السابقة، إلاّ أنّها ملزمة لحظة نزول الحكم، ولابدّ عندئذ من ترتيب الأثر، حيث يضيف الله سبحانه هذه الآية: (وإنّ الله لعفو غفور).
وبناءً على هذا فإذا كان المسلم قد إرتكب مثل هذا العمل قبل نزول الآية فلا بأس عليه لأنّ الله سيعفو عنه.
ويعتقد بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ "الظهار" ذنب مغفور الآن، كما في الذنوب الصغيرة حيث وعد الله بالعفو عنها(4) - في صورة ترك الكبائر - إلاّ أنّه لا دليل على هذا الرأي، والجملة أعلاه لا تقوى أن تكون حجّة في ذلك.
وعلى كلّ حال فإنّ مسألة الكفّارة باقية بقوّتها.
وفي الحقيقة أنّ هذا التعبير شبيه لما جاء في الآية (رقم 5) من سورة الأحزاب، حيث يقول سبحانه: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً).
وذلك بعد نهيه عن مسألة التبنّي.
ويثار تساؤل عن الفرق الموجود بين (العفوّ) و (الغفور).
قال البعض: (العفو) إشارة إلى الله تعالى (الغفور) إشارة إلى تغطية الذنوب إذ أنّ من الممكن أن يعفو شخص عن ذنب ما، ولكن لا يستره أبداً، غير أنّ الله تعالى يعفو ويستر في نفس الوقت.
وقيل أنّ "الغفران" هو الستر من العذاب، حيث أنّ مفهومها مختلف عن العفو بالرغم من أنّ النتيجة واحدة.
﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم﴾ بأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي ﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ على الحقيقة ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ﴾ ينكره الشرع ﴿وَزُورًا﴾ كذبا ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ لهم تفضلا أو إن تابوا.