لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ليقوم المكلّف بتحرير رقبته حتّى مع قدرته المالية، كما في عصرنا الحاضر، لهذا كلّه ولأنّ الإسلام دين عالمي خالد فقد عالج هذه المسألة بحكم آخر يعوّض عن تحرير الرقبة، حيث يقول عزّوجلّ: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا). وهذا اللون من الكفّارة في الحقيقة له أثر عميق على الإنسان، حيث أنّ الصوم بالإضافة إلى أنّه وسيلة لتنقية الروح وتهذيب النفس، فإنّ له تأثيراً عميقاً وفاعلا في منع تكرّر مثل هذه الأعمال في المستقبل. ومن الواضح - كما في ظاهر الآية - أنّ مدّة الصوم يجب أن تكون ستّين يوماً متتابعاً، وكثير من فقهاء أهل السنّة أفتوا طبقاً لظاهر الآية، إلاّ أنّه قد ورد في روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ المكلّف إذا صام أيّام قلائل حتّى ولو يوماً واحداً بعد صوم الشهر الأوّل، فإنّ مصداق التتابع في الشهرين يتحقّق، وهذا الرأي حاكم على ظاهر الآية(7). وهذا يوضّح لنا أنّ المقصود من التتابع في الآية أعلاه والآية (92) من سورة النساء في موضوع كفّارة القتل غير المتعمّد. أنّ المقصود هو التتابع بصورة إجمالية. وطبيعي أنّ مثل هذا التّفسير لا يسمع إلاّ من إمام معصوم، حيث أنّه وارث لعلوم النبي (ص) وهذا النوع من الصيام يكون تسهيلا للمكلّفين. (تراجع الكتب الفقهية في الصوم وأبواب الظهار وكفّارة القتل، للحصول على شرح أوفى حول هذا الموضوع)(8). وضمناً فإنّ المقصود من جملة: (فمن لم يجد) لا يعني عدم وجود أصل المال لديه، بل المقصود منه ألاّ يوجد لديه فائض على إحتياجاته وضروريات حياته كي يشتري عبداً ويحرّره. ولأنّ الكثير من الناس غير قادرين على الوفاء بالكفّارة الثانية، وهي صوم الشهرين المتتابعين، فقد ذكر لذلك بديل آخر حيث يقول سبحانه: (فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً). والظاهر من الإطعام أن يعطي غذاء يشبع الشخص في وجبة طعام، إلاّ أنّ الروايات الإسلامية ذكرت أنّ المقصود بذلك هو (مدّ) لإطعام كلّ واحد (والمدّ يعادل 750غم) رغم أنّ بعض الفقهاء قد حدّدها بمدّين أي ما يعادل (500،1) غم(9). ثمّ يشير تعالى في تكملة الآية مرّة اُخرى إلى الهدف الأساس لمثل هذه الكفّارات: (ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله). نعم إنّ إزالة الذنوب بوسيلة الكفّارات تقوّي اُسس الإيمان، وتربط الإنسان بالتعاليم الإلهيّة قولا وعملا. وفي نهاية الآية يؤكّد سبحانه بصورة قاطعة على الإلتزام بأوامره حيث يقول: (وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم). ويجدر الإنتباه إلى أنّ مصطلح (الكفر) له معاني مختلفة، منها "الكفر العملي" الذي يعني المعصية وإقتراف الذنوب، وقد اُريد في الآية الكريمة هذا المعنى، وكما جاء في الآية (97) من سورة آل عمران بالنسبة للمتخلّفين عن أداء فريضة الحجّ، حيث يقول سبحانه: (ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين). "حدّ" بمعنى الشيء الذي يفصل بين شيئين، ومن هنا يقال لحدود البلدان (حدود) وبهذا اللحاظ يقال للقوانين الإلهية إنّها حدود، وذلك لحرمة تجاوزها، ولدينا شرح أوفى في هذا المجال في نهاية الآية (187) من سورة البقرة. ملاحظات 1 - قسم من أحكام الظهار اُشير للظهار بآيتين في القرآن الكريم (الآية مورد البحث، والآية (رقم 4) من سورة الأحزاب) وهو من الأعمال والعادات القبيحة في عصر الجاهلية، حيث يمارس هذا الفعل في حالة سأم وضجر الرجل من زوجته، وكي يوقعها في حرج ويركعها لإرادته يقول لها (أنت عليّ كظهر اُمّي)(10) وكانوا يعتقدون بعد إطلاق هذه الصيغة أنّ الزوجة تحرم على زوجها إلى الأبد، ولا تستطيع أن تختار زوجاً آخر لها. وقد أدان الإسلام هذا التصرّف وشرّع له حكم الكفّارة. وبناءً على هذا فكلّما جعل الرجل على زوجته ظهاراً فإنّ الزوجة تستطيع أن تراجع الحاكم الشرعي وتلزمه، إمّا أن يطلّقها بصورة شرعية، أو يرجعها إلى حالتها الزوجية السابقة، بعد دفعه للكفّارة بالصورة التي مرّت بنا سابقاً، وهي إمّا تحرير رقبة في حالة القدرة، أو صوم شهرين متتابعين في حالة الإستطاعة، وإلاّ فإطعام ستّين مسكيناً، وهذا يعني أنّ خصال الكفّارة ليست مخيّرة، بل مرتّبة. 2 - الظهار من كبائر الذنوب لحن الآيات أعلاه شاهد معبّر عن هذا المضمون، والبعض يعتبرونه من الصغائر ومورد عفو، إلاّ أنّها نظرة خاطئة. 3 - إذا كان الشخص غير قادر على أداء الكفّارة بمختلف صورها، فهل يستطيع أن يرجع إلى حياته الزوجية السابقة بالتوبة والإستغفار فقط؟ هنالك وجهات نظر مختلفة بين الفقهاء حول هذه المسألة، فقسم منهم - بالإستناد على الحديث المنقول عن الإمام الصادق (ع)(11) - يعتقد أنّ التوبة والإستغفار تكفي في الكفّارات - عند عدم القدرة - إلاّ في كفّارة الظهار حيث لا تكفي التوبة وتجب الكفّارة. في حين يرى البعض الآخر أنّ الإستغفار والتوبة تعوضان عن الكفّارة، ودليلهم هو الرواية الاُخرى التي نقلت عن الإمام الصادق (ع) في هذا المجال(12). ويعتقد آخرون بوجوب صوم ثمانية عشر يوماً في هذه الصورة(13). والجمع بين الروايات لا يستبعد أيضاً، ففي صورة عدم القدرة بكلّ شكل من الأشكال السابقة، فإنّه يستطيع أن يرجع إلى حياته الزوجية مستغفراً الله، بالرغم من أنّ المستحبّ في مثل هذه الحالة أن يطلّق زوجته (لأنّ مثل هذا الجمع جمع معروف وتوجد له مظانّ كثيرة في الفقه، وذلك بالنظر إلى صحّة سند الحديثين). 4 - يرى الكثير من الفقهاء أنّ الشخص إذا كرّر الظهار عدّة مرّات (يعني الجملة السابقة بقصد جدّي) يجب أن يدفع عدّة كفّارات، بالرغم من أنّ التكرار حدث في جلسة واحدة، إلاّ أن يكون مقصوده من التكرار هو التأكيد، وليس الظهار الجديد. 5 - إذا قارب زوجته قبل الكفّارة وجبت عليه كفّارتان، كفّارة للظهار وكفّارة للمواقعة الجنسية، وهذا الحكم مورد إتّفاق بين الفقهاء، والآيات أعلاه لم تذكر هذه المسألة، إلاّ أنّ روايات أهل البيت (عليهم السلام) أشارت إليها(14). 6 - التعامل القاطع الجدّي مع مسألة الظهار، تؤكّد على حقيقة أنّ الإسلام لا يسمح أبداً أن تهضم حقوق المرأة عن طريق تسلّط الرجال وإستبدادهم، وذلك باستثمار الأعراف والتقاليد الظالمة، حيث أنّ السنّة الخاطئة والخرافية في هذا المجال كلّما كانت مستحكمة كان تأثيرها المدمّر أقوى. 7 - بالنسبة لموضوع (تحرير الرقبة) والتي هي أوّل كفّارة للظهار، فبالإضافة إلى كونها إجراءً مناسباً للقضاء على ظاهرة المرأة في قبضة الإستبداد، فإنّما تمثّل رغبة الإسلام في القضاء على العبودية بكلّ طريق، وذلك ليس فقط في كفّارة الظهار بل في كفّارة القتل الخطأ، وكفّارة عدم صيام شهر رمضان - الإفطار المتعمّد - وكذلك في كفّارة مخالفة القسم، أو عدم الوفاء بالنذر. ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ رقبة ﴿فَصِيَامُ﴾ فعليه صيام ﴿شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا﴾ ويتحقق التتابع بصوم شهر ويوم ﴿فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ﴾ الصيام لمرض ونحوه ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ لكل مسكين مد من غالب قوت البلد وقيل مدان ﴿ذَلِكَ﴾ أي فرض ذلك البيان أو التخفيف ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ﴾ الأحكام ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ فلا تعتدوها ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ بها ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.