كلّما كانت النجوى بين أشخاص كاليهود والمنافقين الذين يهدفون إلى إيذاء المؤمنين، فنفس هذا العمل حرام وقبيح، فكيف الحال إذا كانت نجواهم شيطانية وتآمرية، ولذلك فإنّ القرآن يحذّر منها أشدّ تحذير في آخر آية مورد للبحث، حيث يقول تعالى: (إنّما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا) ولكن يجب أن يعلموا أنّ الشيطان لا يستطيع إلحاق الضرر بأحد إلاّ أن يأذن الله بذلك (وليس بضارّهم شيئاً إلاّ بإذن الله).
ذلك لأنّ كلّ مؤثّر في عالم الوجود يكون تأثيره بأمر الله حتّى إحراق النار وقطع السيف.
(وعلى الله فليتوكّل المؤمنون) إذ أنّهم - بالروح التوكّلية على الله، وبالإعتماد عليه سبحانه - يستطيعون أن ينتصروا على جميع هذه المشاكل، ويفسدوا خطط أتباع الشيطان، ويفشلوا مؤامراته.
بحثان
1 - أنواع النجوى
لهذا العمل من الوجهة الفقهيّة الإسلامية أحكام مختلفة حسب إختلاف الظروف، ويصنّف إلى خمسة حالات تبعاً لطبيعة الأحكام الإسلامية في ذلك.
فتارةً يكون هذا العمل "حراماً" وفيما لو أدّى إلى أذى الآخرين أو هتك حرمتهم - كما اُشير له في الآيات أعلاه - كالنجوى الشيطانية حيث هدفها إيذاء المؤمنين.
وقد تكون النجوى أحياناً (واجبة) وذلك في الموضوعات الواجبة السرّية، حيث أنّ إفشاءها مضرّ ويسبّب الخطر والأذى، وفي مثل هذه الحالة فإنّ عدم العمل بالنجوى يستدعي إضاعة الحقوق وإلحاق خطر بالإسلام والمسلمين.
وتتصف النجوى في صورة اُخرى بالإستحباب، وذلك في الأوقات التي يتصدّى فيها الإنسان لأعمال الخير والبرّ والإحسان، ولا يرغب بالإعلان عنها وإشاعتها وهكذا حكم الكراهة والإباحة.
وأساساً، فانّ كلّ حالة لا يوجد فيها هدف مهمّ فالنجوى عمل غير محمود، ومخالف لآداب المجالس، ويعتبر نوعاً من اللامبالاة وعدم الإكتراث بالآخرين.
قال رسول الله (ص): "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى إثنان دون صاحبهما فإنّ ذلك يحزنه"(4).
كما نقرأ في حديث عن أبي سعيد الخدري أنّه قال: كنّا نتناوب رسول الله(ص) يطرقه أمر أو يأمر بشيء فكثر أهل الثوب المحتسبون ليلة حتّى إذا كنّا نتحدّث فخرج رسول الله (ص) من الليل فقال: ما هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى"(5).
ويستفاد من روايات أُخرى أنّ الشيطان - لإيذاء المؤمنين - يستخدم كلّ وسيلة ليس في موضوع النجوى فقط، بل أحياناً في عالم النوم حيث يصوّر لهم مشاهد مؤلمة توجب الحزن والغمّ، ولابدّ للإنسان المؤمن في مثل هذه الحالات أن يلتجيء إلى الله ويتوكّل عليه، ويبعد عن نفسه هذه الوساوس الشيطانية(6).
2 - كيف تكون التحيّة الإلهيّة؟
من المتعارف عليه إجتماعياً في حالة الدخول إلى المجالس تبادل العبارات
التي تعبّر عن الودّ والإحترام بين الحاضرين - كلّ منهم للآخر - ويسمّى هذا بالتحيّة، إلاّ أنّ المستفاد من الآيات أعلاه أن يكون للتحيّة محتوى إلهي، كما في بقيّة القواعد الخاصّة بآداب المعاشرة.
ففي التحيّة بالإضافة إلى الإحترام والإكرام لابدّ أن تقرن بذكر الله في حالة اللقاء، كما في (السلام) الذي تطلب فيه من الله السلامة للطرف الآخر.
وقد ورد في تفسير علي بن إبراهيم - في نهاية الآيات مورد البحث - أنّ مجموعة من أصحاب الرّسول (ص) عندما كانوا يقدمون عليه يحيّونه بقولهم (أنعم صباحاً) و (أنعم مساءً) وهذه تحية أهل الجاهلية فأنزل الله: (فإذا جاءوك حيّوك بما لم يحيّك به الله) فقال لهم رسول الله (ص): "قد أبدلنا الله بخير تحيّة أهل الجنّة السلام عليكم"(7).
كما أنّ من خصوصيات السلام في الإسلام أن يكون مقترناً بذكر الله تعالى، هذا من جهة، ومن جهة اُخرى ففي السلام سلامة كلّ شيء أعمّ من الدين والإيمان والجسم والروح... وليس منحصراً بالراحة والرفاه والهدوء(8).
(وحول حكم التحية والسلام وآدابها كان لدينا بحث مفصّل في نهاية الآية (86) في سورة النساء).
﴿إِنَّمَا النَّجْوَى﴾ بالاثم وشبهه ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ بتزيينها والدعاء إليها ﴿لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إذ يتوهمونها في سوء أصابهم ﴿وَلَيْسَ﴾ التناجي والشيطان ﴿بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بأمره ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ في أمورهم.