والآية اللاحقة تتحدّث عن سبب هذا الإندحار، حيث يقول سبحانه: (لأنتم أشدّ رهبةً في صدورهم من الله).
ولأنّهم لا يخافون الله، فإنّهم يخافون كلّ شيء خصوصاً إذا كان لهم أعداء مؤمنون مثلكم (ذلك بأنّهم قوم لا يفقهون).
"رهبة" في الأصل بمعنى الخوف المقترن بالإضطراب والحذر، فهو خوف عميق له جذور وتظهر آثاره في العمل.
وبالرغم من أنّ الآية أعلاه نزلت في يهود بني النضير وأسباب إندحارهم أمام المسلمين، إلاّ أنّ مقصودها حكم عام وكلّي، لأنّه لن يجتمع في قلب الإنسان خوفان: الخوف من الله، والخوف من غيره.
لأنّ كلّ شيء مسخّر بأمر الله، وكلّ إنسان يخشى الله ويعلم مدى قدرته لا ينبغي أن يخاف من غيره.
إنّ مصدر جميع هذه الآلام هو الجهل وعدم إدراك حقيقة التوحيد، ولو كان مسلمو اليوم بالمعنى الواقعي (يعني مؤمنين موحّدين حقّاً) فإنّهم لا يقفون بشجاعة أمام القوى الكبرى بإمكاناتها المادية والعسكرية فحسب، بل إنّ القوى الكبرى هي التي تخشاهم وتخاف منهم، كما نلاحظ نماذج حيّة لهذا المعنى، حيث نرى دولا كبرى مع ما لديها من الأسلحة والوسائل المتطوّرة تخشى شعباً صغيراً لأنّه مسلّح بالإيمان ومتّصف بالتضحية.
وشبيه هذا المعنى ما ورد في قوله تعالى: (سنلقي في قلوب الذين كفروا
الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزّل سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين)(2).
﴿لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً﴾ مرهوبية ﴿فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ﴾ فإنهم يظهرون خوفه نفاقا بسبب ما يبطنونه من رهبتكم ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾ لا يعلمون عظمة الله فلا يخشونه حق خشيته.