أمّا في الآية اللاحقة، فبالإضافة إلى التأكيد على مسألة التوحيد فإنّها تذكر ثمانية صفات اُخرى لله سبحانه، حيث يقول الباريء عزّوجلّ: (هو الله الذي لا إله إلاّ هو).
(الملك) الحاكم والمالك الحقيقي لجميع الكائنات.
(القدّوس) المنزّه من كلّ نقص وعيب.
(السلام)(3) لا يظلم أحد، وجميع الخلائق في سلامة من جهته.
وأساساً فإنّ دعوة الله تعالى هي للسلامة (والله يدعو إلى دار السلام)(4).
وهدايته أيضاً باتّجاه السلامة (يهدي به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام)(5)
والمقرّ الذي اُعدّ للمؤمنين أيضاً هو: بيت السلامة (لهم دار السلام عند ربّهم).
وتحيّة أهل الجنّة أيضاً ليست بشيء سوى السلام: (إلاّ قليلا سلاماً سلاماً)(6)
ثمّ يضيف سبحانه:
(المؤمن)(7) يعطي الأمان لأحبّائه، ويتفضّل عليهم بالإيمان.
(المهيمن) الحافظ والمراقب لكلّ شيء(8).
(العزيز) القادر الذي لا يقهر.
(الجبّار) مأخوذ من (جبر) يأتي أحياناً بمعنى القهر والغلبة ونفوذ الإرادة، وأحياناً بمعنى الإصلاح والتعويض، ومرج الراغب في المفردات كلا المعنيين حيث يقول: "وأصل (جبر) إصلاح شيء بالقوّة والغلبة" وعندما يستعمل هذا اللفظ لله تعالى، فإنّه يبيّن أحد صفاته الكبيرة، حيث أنّ نفوذ إرادته، وكمال قدرته يصلح كلّ فساد.
وإذا استعملت في غير الله أعطت معنى المذمّة، وكما يقول الراغب فإنّها تطلق على الشخص الذي يريد تعويض نقصه بإظهاره لاُمور غير لائقة، وقد ورد هذا المصطلح عشر مرّات في القرآن الكريم، تسع مرّات حول الأشخاص الظالمين والمستكبرين المتسلّطين على رقاب الاُمّة والمفسدين في الأرض ومرّة واحدة فقط عن الله القادر المتعال، حيث ورد بهذا المعنى في الآية مورد البحث.
ثمّ يضيف سبحانه: (المتكبّر).
"المتكبّر" من مادّة (تكبّر) وجاءت بمعنيين:
الأوّل: إستعملت صفة المدح، وقد اُطلقت على لفظ الجلالة، وهو إتّصافه بالعلو والعظمة والسمات الحسنة بصورة عامّة.
والثّاني: إستعملت صفة الذمّ وهو ما يوصف به غير الله عزّوجلّ، حيث تطلق على الأشخاص صغار الشأن وقليلي الأهميّة... الذين يدّعون الشأن والمقام العالي، وينعتون أنفسهم بصفات حسنة غير موجودة فيهم.
ولأنّ العظمة وصفات العلو والعزّة لا تكون لائقة لغير مقام الله سبحانه، لذا إستعمل هذا المصطلح هنا بمعناه الإيجابي حول الله سبحانه.
وكلّما إستعمل لغير الله أعطى معنى الذمّ.
وفي نهاية الآية يؤكّد مرّة اُخرى مسألة التوحيد التي كان الحديث حولها إبتداءً حيث يقول تعالى: (سبحان الله عمّا يشركون).
ومع التوضيح المذكور فإنّ من المؤكّد أنّ كلّ موجود لا يستطيع أن يكون شريكاً وشبيهاً ونظيراً للصفات الإلهية التي ذكرت هنا.
وفي آخر آية مورد للبحث يشير سبحانه إلى ستّ صفات اُخرى حيث يقول تعالى:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ ما غاب عن الحس وما ظهر ﴿هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾.