ونقرأ في رسالة الإمام علي (ع) لمالك الأشتر أنّه قال: "إيّاك... أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك... والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله تعالى: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)"(6).
كما نقرأ في حديث عن الإمام الصادق أنّه (ع) قال: "عدة المؤمن أخاه نذر لا كفّارة فيه، فمن أخلف فبخلف الله بدأ، ولمقته تعرّض، وذلك قوله: (ياأيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)"(7).
ثمّ تطرح الآية اللاحقة مسألة مهمّة للغاية في التشريع الإسلامي، وهي موضوع الجهاد في سبيل الله، حيث يقول تعالى: (إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيان مرصوص)(8).
ونلاحظ هنا أنّ التأكيد ليس على القتال فحسب، بل على أن يكون "في سبيله" تعالى وحده، ويتجسّد فيه - كذلك - الإتّحاد والإنسجام التامّ والتجانس والوحدة، كالبنيان المرصوص.
"صف" في الأصل لها معنى مصدري بمعنى (جعل شيء ما في خطّ مستو) إلاّ أنّها هنا لها معنى (اسم فاعل).
"مرصوص" من مادّة (رصاص) بمعنى معدن الرصاص، ولأنّ هذه المادّة توضع بعد تذويبها بين طبقات البناء من أجل إستحكامه وجعله قويّاً ومتيناً للغاية، لذا اُطلقت هذه الكلمة هنا على كلّ أمر قوي ومحكم.
والمقصود هنا أن يكون وقوف وثبات المجاهدين أمام العدو قويّاً راسخاً تتجسّد فيه وحدة القلوب والأرواح والعزائم الحديدية والتصميم القوي، بصورة تعكس أنّهم صفّ متراصّ ليس فيه تصدّع أو تخلخل... يقول علي بن إبراهيم في تفسيره موضّحاً مقصود هذه الآية: "يصطفّون كالبنيان الذي لا يزول"(9).
﴿كَبُرَ﴾ عظم ﴿مَقْتًا﴾ تمييز وهو أشد البغض ﴿عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا﴾ فاعل كبر ﴿مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ وفيه مبالغة في المنع منه.