لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وجاء في حديث عن أمير المؤمنين علي (ع) أنّه عندما كان يهيء أصحابه للقتال بصفّين، قال: "إنّ الله تعالى قد أرشدكم إلى هذه المسؤولية حيث قال سبحانه: (إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيان مرصوص) وعلى هذا فاحكموا صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدموا الدّارع، وأخّروا الحاسر، وعظّوا على الأضراس فإنّه أنبى للسيوف عن إلهام، والتووا في أطراف الرماح، فإنّه أمْوَرُ للأسنّة، وغضّوا الأبصار فإنّه أربط للجأش، وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات، فإنّه أطرد للفشل، ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلوها، ولا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم ..."(10). ملاحظات 1 - ضرورة وحدة الصفوف إنّ من العوامل المهمّة والمؤثّرة في تحقيق النصر عامل الإنسجام ووحدة الصفوف أمام الأعداء في ميادين القتال، وهذا المبدأ لا يجدر بنا الإلتزام به في الحرب العسكرية فحسب، بل علينا تجسيده في الحروب الإقتصادية والسياسية... وإلاّ فسوف لن نحقّق شيئاً. إنّ التشبيه القرآني للعدو بأنّه سيل عارم ومدمّر لا يسيطر عليه إلاّ من خلال سدّ حديدي محكم، تشبيه في غاية الروعة والجمال، والتعبير بأن يكون المؤمنون كـ (البنيان المرصوص) أروع تعبير جاء في هذا الصدد، وممّا لا شكّ فيه أنّ لكلّ جزء في السدّ أو البناء العظيم، دور معيّن في مواجهة السيل، وهذا الدور مهمّ ومؤثّر على جميع الأجزاء، وفي حالة قوّته وتماسكه وعدم وجود تخلخل أو تشقّق أو ثغرات فيه، يصعب عندئذ نفوذ العدوّ منه، وإذا ما حاول ذلك فإنّ الجميع يوجّهون إليه صفعة مدمّرة. وممّا يؤسف له أنّ أمثال هذه التعاليم الإسلامية قد نسيت اليوم، وإستبدلت حالة الوحدة والتراصّ في مجتمعنا الإسلامي بحالة من التشتّت والتمزّق، وأصبحت صفوفنا شتّى، وكلّ منها ينهش الآخر حتّى أدّى إلى تآكل قوانا وتفرّق جمعنا. إنّ وحدة الصفّ ليست شعاراً إعلامياً، إنّها تحتاج إلى وحدة العقيدة والتصورات والأهداف... وهذا ما يحتاج بالضرورة إلى خلوص النوايا والإلتزام بالمفاهيم القرآنية العظيمة، وإعتماد التربية الإلهية في السلوك والمنهج العلمي السليم. وإذا كان الباريء عزّوجلّ يعلن حبّه للمجاهدين المتراصّين الذين يشكّلون وحدة متماسكة، فإنّه سبحانه في نفس الوقت يعلن سخطه وغضبه على الجموع المسلمة إذا كانت متمزّقة ومشتّتة ونتيجته هو ما نراه الآن متجسّداً في تسلّط مجموعة صغيرة من الصهاينة على أرضنا الإسلامية وعددنا يربو على المليار مسلم. إلهي: تفضّل علينا بمعرفة القرآن العظيم حقّ معرفته، ووفّقنا للإلتزام بتعاليمه السامية. 2 - الأقوال المجرّدة عن العمل يترجم اللسان في الغالب ما يكنّه القلب وما تضمره الروح، وإذا أصبح اللسان في مسار بعيد عن تصوير خلجات القلب وإرادته. فإنّ ذلك دليل على حالة النفاق، والمنافق تبدو عليه علامات الإعتلال في الفكر والروح. إنّ من أعظم الإبتلاءات التي تبتلى بها المجتمعات الإنسانية هو تزعزع الثقة بين صفوفها وعدم الإطمئنان فيما بينها، وأمارة ذلك هي الأقوال البعيدة عن الإلتزام والإدّعاءات الفارغة من المحتوى العملي، وأداة ذلك هم الأشخاص الذين يقولون ما لا يفعلون، وبذلك فهم يشكّلون بؤرة عميقة مخيّبة في قبال حالات الإنسجام والوحدة والتماسك أمام المشاكل التي تواجههم، بل يشكّلون عاملا للضعف والتباغض وعدم الإحترام وتضييع الإمكانات وسقوط هيبتهم أمام الأعداء. عندما أغار جيش الشام على حدود العراق، ووصل خبر ذلك إلى الإمام علي (ع) خطب في أهل الكوفة خطبته التي قال فيها: "أيّها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا جاء قلتم: حيدي حياد"(11). والإمام (ع) يتحدّث هنا بألم عن أهل العراق; وهذا ما تعكسه كلماته التي تشير التفاوت بين أقوالهم وأعمالهم. ونقرأ عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "يعني بالعلماء من صدق فعله قوله، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم"(12). ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾ صافين ﴿كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ لصق بعضه ببعض مستحكم.