لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
حيث يقول: (هو الذي بعث في الاُمّيين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته). وذلك من أجل أن يطهّرهم من كلّ أشكال الشرك والكفر والإنحراف والفساد (ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). ومن الملفت للنظر أنّ بعثة الرّسول (ص) بهذه الخصوصيات التي لا يمكن تفسيرها إلاّ عن طريق الإعجاز، تعتبر هي الاُخرى إشارة إلى عظمته عزّوجلّ ودليل على وجوده إذ يقول: (هو الذي بعث في الاُمّيين رسولا ...) وأبدع هذا الموجود العظيم بين اُولئك الاُمّيين... "الاُمّيين" جمع (اُمّي) وهو الذي لا يعرف القراءة والكتابة (ونسبته إلى الاُمّ باعتبار أنّه لم يتلقّ تعليماً في معهد أو مدرسة غير مدرسة الاُمّ). وقال البعض: إنّ المقصود بها أهل مكّة، لأنّ مكّة كانت تسمّى (باُمّ القرى)، ولكنّه بعيد. قال بعض المفسّرين: إنّ المقصود بها "اُمّة العرب" مقابل اليهود وغيرهم، واعتبروا الآية (75) من سورة آل عمران شاهدة على هذا المعنى حيث يقول: (قالوا ليس علينا في الاُمّيين سبيل) وذلك باعتبار أنّ اليهود كانوا يعتبرون أنفسهم أهل الكتاب وهم أهل القراءة والكتابة، بينما كان العرب على العكس من ذلك. ولكن التّفسير الأوّل أنسب. والجدير بالذكر أنّ الآية تؤكّد على أنّ نبي الإسلام بعث من بين هؤلاء الاُمّيين الذين لم يتلقّوا ثقافة وتعليماً وذلك لبيان عظمة الرسالة وذكر الدليل على حقّانيتها، لأنّ من المحال أن يكون هذا القرآن العظيم وبذلك المحتوى العميق وليد فكر بشري وفي ذلك المحيط الجاهلي ومن شخص اُمّي أيضاً، بل هو نور أشرق في الظلمات، ودوحة خضراء في قلب الصحراء، وهي بحدّ ذاتها معجزة باهرة وسنداً قاطعاً على حقّانيته... ولخّصت الآية الهدف من بعثة الرّسول (ص) في ثلاثة اُمور، جاء أحدها كمقدّمة وهو تلاوة الآيات عليهم، بينما شكّل الأمران الآخران أي (تهذيب وتزكية النفس) و (تعليمهم الكتاب والحكمة) الهدف النهائي الكبير. نعم، جاء الرّسول (ص) ليعطي الإنسانية ويعلّمها العلم والأخلاق، لتستطيع بهذين الجناحين (جناح العلم وجناح الأخلاق) أن تحلّق في عالم السعادة وتطوي مسيرها إلى الله لتنال القرب منه. والجدير بالملاحظة انّنا نجد بعض الآيات القرآنية تذكر "التزكية" قبل "التعليم" بينما تقدّم آيات اُخرى "التعليم" على "التزكية". ففي ثلاثة من الموارد الأربعة التي ذكر فيها "التزكية" و "التعليم" تقدّمت التزكية على التعليم بينما تقدّم التعليم في المورد الرابع. وفي الوقت الذي يشار في هذا التعبير إلى التأثير المتبادل لهذين العنصرين (الأخلاق وليدة العلم، كما أنّ العلم وليد الأخلاق) تظهر أيضاً أصالة التربية ومدى الإهتمام بها. علماً أنّ المقصود بالعلم العلوم الحقيقية لا العلوم التي إصطلح عليها بأنّها علم وأُلبست ثوب العلم. ويمكن أن يكون الفرق بين "الكتاب" و "الحكمة" هو أنّ الأوّل إشارة إلى القرآن والثاني إشارة إلى سنّة الرّسول (ص). ويمكن أيضاً أن يكون "الكتاب" إشارة إلى أصل العقائد والأحكام الإسلامية، والثانية إشارة إلى فلسفتها وأسرارها. ومن النقاط الجديرة بالملاحظة - كذلك - أنّ الحكمة تعني المنع بقصد الإصلاح، ولهذا يقال للجام الفرس "حكمة" لأنّه يمنعها ويجعلها تسير في مسارها الصحيح، وبناءً على ذلك فإنّ مفهوم هذه الدلائل عقلي، ومن هنا يتّضح أنّ ذكر الكتاب والحكمة بشكل مترادف يراد منه التنبيه إلى مصدرين مهمّين من مصادر المعرفة (الوحي) و (العقل). بعبارة اُخرى: إنّ الأحكام السماوية وتعاليم الإسلام رغم أنّها نابعة من الوحي الإلهي غير أنّها يمكن تعقّلها وإدراكها بالعقل "المقصود كلّيات الأحكام". وتعبير "الضلال المبين" إشارة مختصرة معبّرة إلى سابقة العرب وماضيهم الجاهلي في عبادة الأصنام. وأي ضلال أوضح وأسوأ من هذا الضلال الذي يعبد فيه الناس أحجاراً وأخشاباً يصنعونها بأنفسهم ويلجؤون إليها لحلّ مشاكلهم وإنقاذهم من المعضلات. يدفنون بناتهم وهنّ أحياء ثمّ يتفاخرون بكلّ بساطة بهذا العمل قائلين: إنّنا لم ندع ناموسنا وعرضنا يقع بيد الأجانب. كانت صلاتهم ودعاؤهم عبارة عن تصفيق وصياح إلى جانب الكعبة، وحتّى النساء كن يطفن حول الكعبة وهنّ عراة تماماً، ويحسبون ذلك عبادة. كانت تسيطر على أفكارهم مجموعة من الخرافات والأوهام، وكانوا يتفخرون ويتباهون بالحرب ونزف الدماء والإغارة على بعضهم البعض. المرأة كانت تعدّ بضاعة لا قيمة لها عندهم، يلعبون عليها القمار، ويحرمونها من أبسط الحقوق الإنسانية. كانوا يتوارثون العداوة والبغضاء، ولهذا أصبحت الحروب وإراقة الدماء أمراً عادياً لديهم. نعم لقد جاء الرّسول وأنقذهم - ببركة الكتاب والحكمة من هذا الضلال والتخبّط وزكّاهم وعلّمهم. وحقّاً إنّ تربية وتغيير مثل هذا المجتمع الضالّ يعتبر أحد الأدلّة على عظمة الإسلام ومعاجز نبيّنا العظيمة. ولكن لم يكن الرّسول مبعوثاً لهذا المجتمع الاُمّي فقط، بل كانت دعوته عامّة لجميع الناس، فقد جاء في الآية التالية (وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم)(20). نعم، إنّ الأقوام الآخرين الذين جاؤوا بعد أصحاب الرّسول ليتربّوا في مدرسة الرّسول (ص) ويغترفوا من معين القرآن الصافي والسنّة المحمّدية، كانوا - أيضاً - مشمولين بهذه الدعوة العظيمة. بناءً على ذلك تكون الآية أعلاه شاملة لجميع الأقوام الذين يأتون بعد أصحاب الرّسول من العرب والعجم. جاء في الحديث أنّ الرّسول بعد أن تلا هذه الآية سئل من هؤلاء؟ فأشار الرّسول إلى سلمان وقال: "لو كان الإيمان في الثريا لنالته رجال من هؤلاء"(21). وجاء في آخر الآية: (وهو العزيز الحكيم). ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ﴾ العرب لأنهم لا يقرءون ولا يكتبون غالبا ﴿رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾ من جنسهم عربيا أميا ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ القرآن ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يطهرهم من دنس الكفر والمعاصي ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ القرآن ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ الشرائع ﴿وَإِن﴾ هي المخففة ﴿كَانُوا مِن قَبْلُ﴾ قبل بعثه ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ من الشرك والبدع الباطلة واللام فارقة.