لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
غير أنّ هذا الخوف وذلك الفرار لا يجدي شيئاً، فالموت أمر حتمي لابدّ أن يدرك الجميع، إذ يقول تعالى: (قل إنّ الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون). الموت قانون عام يخضع له الجميع بما فيهم الأنبياء والملائكة وجميع الناس (كلّ من عليها فان ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام). وكذلك المثول أمام محكمة العدل الإلهي لا يفلت منها أحد، إضافة إلى علم الله تعالى بأعمال عباده بدقّة وبتفصيل كامل. وبهذا سوف لا يكون هناك طريق للتخلّص من هذا الخوف سوى تقوى الله وتطهير النفس والقلب من المعاصي، وبعد أن يخلص الإنسان لله تعالى فإنّه لن يخاف الموت حينئذ. ويعبّر الإمام أمير المؤمنين (ع) عن هذه المرحلة بقوله: "هيهات بعد اللتيا والتي، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه"(24). ملاحظات 1 - العالم بلا عمل ممّا لا شكّ فيه أنّ لطلب العلم تبعات ومسؤوليات عديدة، ولكن مع كثرة هذه التبعات فإنّها لا تساوي شيئاً أمام بركاته. وأشدّ ما يخيف الإنسان ويقلقه أن يتحمّل مصاعب طلب العلم، ويعاني في سبيل ذلك الأمّرين دون أن يحصد بركاته، وعندها سيكون مثل هذا الإنسان كمثل الحمار الذي يحمل أسفاراً على ظهره لا يعلم منها شيئاً. وقد شبّه العالم بلا عمل في بعض الأمثال بأنّه (كالشجر بلا ثمر) أو (كالسحاب بلا مطر) أو (كالشمعة التي تحرق نفسها لتضيء أطرافها ولكنّها تفنى وتزول) أو (كالحيوان الذي يدير الطاحونة فإنّه يمشي ساعات طويلة دون أن يقطع أيّة مسافة بل يبقى دائماً يدور حول نفسه)، وما إلى ذلك من التشبيهات التي يوضّح كلّ واحد منها جانباً من جوانب النقص حينما لا يُقرن العلم بالعمل. وقد حملت الروايات بشدّة على مثل هؤلاء العلماء الذين لا يعملون بما يعلمون، ففي رواية عن الرّسول (ص) أنّه قال: "من إزداد علماً ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلاّ بعداً"(25). وعن أمير المؤمنين علي (ع) أنّه قال: "العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلاّ ارتحل عنه"(26). وفي رواية اُخرى عن رسول الله (ص) يعتبر العالم الذي لا يعمل بموجب علمه غير جدير بهذا اللقب حيث يقول: "لا يكون المرء عالماً حتّى يكون بعلمه عاملا"(27). وليس أفضل من العالم الذي يعمل بعلمه دون أن يستفيد من مزايا العلم ذاتياً ومادياً، فقد ورد عن أمير المؤمنين في خطبة له على المنبر "أيّها الناس إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلّكم تهتدون، إنّ العالم العامل بغيره، كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله بل قد رأيت أنّ الحجّة عليه أعظم والحسرة أدوم"(28). ومثل هؤلاء العلماء سيكونون بلاءً على المجتمع ووبالا عليه، وسينتهي المجتمع الذي علماؤه من هذا القبيل إلى مصير خطير. يقول الشاعر: وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب! 2 - لماذا أخاف الموت قلّة من الناس فقط لا يخافون الموت ويبتسمون له ويحتضنونه ويهبون تلك النفس المتعبة ليحصلوا على الخلود. والآن لماذا تخاف الموت الأغلبية الغالبة من الناس وتخاف من أعراضه، بل حتّى من إسمه؟ إنّ السبب الأساسي وراء هذا الخوف هو عدم إيمان هؤلاء بالحياة بعد الموت، أو إذا كانوا مؤمنين بذلك فإنّهم لم يصدّقوا به تصديقاً حقيقيّاً، ولم يتمكّن من جميع أفكارهم وإحساساتهم ومشاعرهم. إنّ خوف الإنسان من العدم شيء طبيعي، بل إنّ الإنسان يخاف من الظلمة في الليل التي هي عدم النور، وأحياناً يصل بالإنسان الخوف إلى أنّه يخاف من الميّت. ولكن إذا صدقت النفس أنّ (الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر) وإذا أيقنت هذه النفس أنّ هذا البدن الترابي إنّما هو سجن للروح وسور يضرب الحصار عليها، إذا آمنت بذلك حقّاً وكانت نظرة الإنسان إلى الموت هكذا فإنّه سوف لن يخشى الموت أبداً، وفي نفس الوقت الذي يعتزّ بالحياة من أجل الإرتقاء في سلّم التكامل. لهذا نجد في قصّة عاشوراء: أنّه كلّما ضاقت حلقة الأعداء وإزداد ضغطهم على الإمام الحسين وأصحابه إزدادت وجوههم إشراقاً، حتّى أنّ الشيوخ من أصحابه كانت الإبتسامة تطفو على وجوههم في صبيحة عاشوراء، وحينما كانوا يسألون يقولون: إنّنا سنستشهد بعد ساعات فنعانق الحور العين(29). والسبب الآخر الذي يجعل الإنسان يخاف من الموت هو التعلّق بالدنيا أكثر من اللازم، الأمر الذي يجعله يرى الموت الشيء الذي سيفصله عن محبوبه ومعشوقه التي هي الدنيا. وكثرة السيّئات وقلّة الحسنات في صحيفة الأعمال هي السبب الثالث وراء الخوف من الموت، فقد جاء أنّ رجلا أتى رسول الله (ص) وقال: يارسول الله، ما بالي لا اُحبّ الموت؟ فقال (ص): لك مال؟ قال: نعم، قال (ص): قد قدّمته؟ قال: لا. قال: فمن ثمّة لا تحبّ الموت"(30) (لأنّ صحيفة أعمالك خالية من الحسنات). وجاء رجل آخر وسأل (أبا ذرّ) نفس السؤال فأجابه أبو ذرّ قائلا: "لأنّكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب"(31). ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ حرصا على الحياة وخوفا أن تؤخذوا بوبال كفركم ﴿فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ ففراركم منه فرار إليه ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ بمجازاتكم به.