تضيف الآية التي تليها قائلة: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون).
ورغم أنّ عبارة (ابتغوا من فضل الله) أو ما يشابهها من تعابير، وردت في القرآن الكريم للحثّ على طلب الرزق والكسب والتجارة، لكن الظاهر أنّ مفهوم هذه الجملة أوسع من ذلك بكثير.
لهذا فسّرها بعضهم بعيادة المريض وزيارة المؤمن وطلب العلم والمعرفة، ولم يحصروها بهذه المعاني كذلك.
من الواضح أنّ الإنتشار في الأرض وطلب الرزق ليس أمراً وجوبياً، ولكن - كما هو معلوم اُصوليّاً "أمر بعد الحظر والنهي" - دليل على الجواز والإباحة.
مع أنّ البعض فهم من هذا التعبير أنّ المقصود هو إستحباب طلب الرزق والكسب بعد صلاة الجمعة، وإشارة إلى كونه مباركاً أكثر.
وجاء في الحديث أنّ الرّسول (ص) كان يمشي في السوق بعد صلاة الجمعة.
جملة (واذكروا الله كثيراً) إشارة إلى ذكر الله تعالى الذي وهب كلّ تلك البركات والنعم للإنسان.
وقال بعضهم: إنّ الذكر هنا يعني التفكّر كما جاء في الحديث "تفكّر ساعة خير من عبادة سنة"(34).
وفسّرها آخرون بمعنى التوجّه إلى الله تعالى في الكسب والمعاملات وعدم الإنحراف عن جادّة الحقّ والعدالة.
غير أنّه من الواضح أنّ للآية مفهوماً واسعاً يشمل كلّ تلك المعاني، كما أنّه من المسلّم أنّ روح الذكر هو التفكّر.
والذكر الذي لا يكون مقروناً بالتفكّر لا يزيد عن كونه لقلقة لسان، وإنّ الذكر الممزوج بالتفكّر هو سبب الفوز في جميع الحالات.
وممّا لا شكّ فيه أنّ استمرار الذكر والمداومة عليه يرسخ الخوف من الله ويعمّقه في نفس الإنسان، ويجعله يستشعر ذلك في أعماق نفسه، ويقضي نهائياً على أسباب الغفلة والجهل اللذين يشكّلان السبب الأساس لكلّ الذنوب، ويضع الإنسان في طريق الفلاح دائماً.
وهناك تتحقّق حقيقة (لعلّكم تفلحون).
﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ﴾ فرغ من أدائها ﴿فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ إباحة بعد حظر وكذا ﴿وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ اطلبوا الرزق ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ أي على كل حال باللسان والقلب ﴿لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لتفوزوا.