وتتطرّق الآية اللاحقة إلى ذكر السبب الذي يقف وراء هذه الأعمال السيّئة، حيث يقول تعالى: (ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون).
والمقصود بالإيمان - كما يعتقد بعض المفسّرين - هو الإيمان الظاهري الذي يخفي وراءه الكفر.
ولكن يبدو أنّ الآية تريد أن تقول: إنّهم كانوا مؤمنين حقّاً وذاقوا طعم الإيمان ولمسوا حقّانية الإسلام والقرآن، ثمّ انتهجوا منهج الكفر مع إحتفاظهم بظاهر الإيمان أو الإيمان الظاهري.
وقد سلب الله منهم حسّ التشخيص وحرمهم إدراك الحقائق، لأنّهم أعرضوا عن الحقّ، وأداروا له ظهورهم بعد أن شخّصوه وعرفوه حقّاً.
والواقع أنّ المنافقين مجموعتان:
المجموعة الاُولى: كان إيمانها منذ البداية ظاهرياً وصورياً.
والثانية: كان إيمانها حقيقيّاً في البداية ثمّ ارتدّوا ولزموا طريق النفاق.
والظاهر أنّ الآية - مورد البحث - تتعرّض للمجموعة الثانية.
وتشبه هذه الآية (74) من سورة التوبة التي تقول: (وكفروا بعد إسلامهم).
على كلّ حال فإنّ عدم قدرتهم على إدراك الحقائق الواضحة تعتبر علامة ثالثة من علامات نفاقهم.
ومن الواضح أنّهم غير مجبرين على ذلك، لأنّهم قد هيّأوا مقدّماته بأنفسهم.
﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من أوصافهم ﴿بِأَنَّهُمْ آمَنُوا﴾ ظاهرا ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ باطنا بإصرار ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ أي تمكن الكفر فيها حتى صارت كالمختوم عليها ﴿فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ الحق فلم يخلصوا الإيمان.