التّفسير:
يوم التغابن وظهور الغبن:
في أعقاب تلك الآيات التي بحثت مسألة الخلقة والهدف من الخلق، جاءت هذه الآيات لتكمّل البحث الذي يطرح قضيّة المعاد والقيامة، حيث يقول تعالى: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا).
"زعم" من مادة (زعم) - على وزن طعم - تطلق على الكلام الذي يحتمل أو يتيقن من كذبه، وتارة تطلق على التصور الباطل وفي الآية المراد هو الأوّل.
ويستفاد من بعض كلمات اللغويين أنّ كلمة "زعم" جاءت بمعنى الإخبار المطلق، بالرغم من أنّ الإستعمالات اللغوية وكلمات المفسّرين تفيد أنّ هذا المصطلح قد ارتبط بالكذب ارتباطاً وثيقاً، ولذلك قالوا "لكلّ شيء كنية وكنية الكذب، الزعم".
على أي حال فإنّ القرآن الكريم يأمر الرّسول الأكرم في أعقاب هذا الكلام بقوله: (قل بلى وربّي لتبعثنّ ثمّ لتنبؤنّ بما عملتم وذلك على الله يسير).
إنّ أهمّ شبهة يتمسّك بها منكرو المعاد هي كيفية إرجاع العظام النخرة التي صارت تراباً إلى الحياة مرّة اُخرى، فتجيب الآية الكريمة: (ذلك على الله يسير)لأنّهم في البداية كانوا عدماً وخلقهم الله، فإعادتهم إلى الوجود مرّة اُخرى أيسر... بل احتمل بعضهم أنّ القسم بـ (وربّي) هو بحدّ ذاته إشارة لطيفة إلى الدليل على المعاد، لأنّ ربوبية الله تعالى لابدّ أن تجعل حركة الإنسان التكاملية حركة لها غاية لا تنحصر في حدود الحياة الدنيا التافهة.
بتعبير آخر إنّنا لو لم نقبل بمسألة المعاد، فانّ مسألة ربوبية الله للإنسان ورعايته له لا يبقى لها مفهوماً البتة.
ويعتقد البعض أنّ عبارة (وذلك على الله يسير) ترتبط بإخبار الله تعالى عن أعمال البشر يوم القيامة، التي جاءت في العبارة السابقة، ولكن يبدو أنّها ترجع إلى المضمون الكلّي للآية.
(أصل البعث وفرعه) الذي هو الإخبار عن الأعمال التي تكون مقدّمة للحساب والجزاء
﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن﴾ مخففة أي أن الشأن ﴿لَّن يُبْعَثُوا﴾ وسدت بجملتها مسد مفعول زعم ﴿قُلْ بَلَى﴾ يبعثون ﴿وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ﴾ بالمجازة به ﴿وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾.