وتصف الآية اللاحقة يوم القيامة بقولها: (يوم يجمعكم ليوم الجمع)(69) فإنّ أحد أسماء يوم القيامة هو "يوم الجمع" الذي ورد كراراً بتعبيرات مختلفة في القرآن الكريم، منها ما جاء في الآية (49) و (50) من سورة الواقعة: (قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم).
ثمّ يضيف تعالى (ذلك يوم التغابن)(70) أي اليوم الذي يعرف فيه "الغابن" بالفوز عن "المغبون" بالغلبة، وهو اليوم الذي ينكشف فيه من هم الناس الذي غبنوا وخسرت تجارتهم؟
اليوم الذي يرى فيه أهل جهنّم مكانهم الخالي في الجنّة ويأسفون لذلك، ويرى أهل الجنّة مكانهم الخالي في النار فيفرحون لذلك، فقد ورد في أحد الأحاديث أنّ لكلّ إنسان مكاناً في الجنّة وآخر في النار، فحينما يذهب إلى الجنّة يعطى مكانه في جهنّم إلى أهل جهنّم، ويعطى مكان الجهنمي في الجنّة إلى أهل الجنّة(71).
والتعبير بـ (الإرث) في الآيات القرآنية ربّما يكون ناظراً إلى هذا المعنى.
ثمّ يتحدّث القرآن الكريم عن أحوال المؤمنين في ذلك اليوم (يوم القيامة) أو (يوم التغابن) قائلا: (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفّر عنه سيّئاته ويدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم).
وستتنزّل النعم الإلهية والبركات بتحقّق الشرطين الأساسيين، الإيمان والعمل الصالح.
فتحلّ المغفرة والتجاوز عن الذنوب التي تشغل تفكير الإنسان أكثر من أي شيء آخر، وكذلك دخول الجنّة، وذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده.
﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ﴾ جمع الأولين والآخرين أي لأجل جزائه ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ يغبن فيه أهل الجنة أهل النار بأخذ منازلهم في الجنة لو آمنوا فالتفاعل بمعنى الفعل إذ لا غبن في العكس ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ﴾ بالياء والنون ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ إذ فيه خلاص من العقاب ونيل للثواب.