لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير: شرائط الطلاق والإنفصال: تقدّم أنّ أهمّ بحث في هذه السورة هو بحث الطلاق، حيث يشرّع القرآن فيها مخاطباً الرّسول الأكرم، بصفته القائد الكبير للمسلمين، ثمّ يوضّح حكماً عموميّاً بصيغة الجمع، حيث يقول: (ياأيّها النبي إذا طلّقتم النساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ). هذا هو الحكم الأوّل من الأحكام الخمسة التي جاءت في هذه الآية، وطبقاً لآراء المفسّرين إنّ المراد هو أن تجري صيغة الطلاق عند نقاء المرأة من الدورة الشهرية، مع عدم المقاربة الزوجية، لأنّه - طبقاً للآية 228 من سورة البقرة - فإنّ عدّة الطلاق يجب أن تكون بمقدار "ثلاثة قروء" أي ثلاثة طهورات متتالية. وهنا يؤكّد أنّ الطلاق يجب أن يكون مع بداية العدّة، وهذا يتحقّق فقط - في حالة الطهارة وعدم المقاربة، فإذا وقع الطلاق في حالة الحيض فإنّ بداية زمان العدّة ينفصل عن بداية الطلاق، وبداية العدّة ستكون بعد الطهارة. وإذا كانت في حالة طهر وقد جامعها زوجها، فإنّ الطلاق لا يتحقّق أيضاً، لأنّ مثل هذه الطهارة - بسبب المقاربة - لا يمكن أن تكون دليلا على عدم وجود نطفة في الرحم. على كلّ حال هذا هو أوّل شرط للطلاق. جاء في روايات عديدة عن الرّسول الأكرم (ص) قال: "مُر فليراجعها، ثمّ ليتركها حتّى تطهر، ثمّ تحيض، ثمّ تطهر. ثمّ، إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ، فتلك العدّة التي أمر الله عزّوجلّ أن يطلّق لها النساء"(83). وجاء نفس هذا المعنى في روايات عديدة عن أهل البيت (عليهم السلام)، حتّى أنّها ذكرت على أنّها تفسير للآية(84). ثمّ يذكر الحكم الثاني وهو حساب العدّة، حيث يقول تعالى: (وأحصوا العدّة). "أحصوا" من مادّة "الإحصاء" بمعنى الحساب، وهي في الأصل مأخوذة من "حصى" بمعناها المعروف، لأنّ كثيراً من الناس كانوا يلجأون في حساب المسائل المختلفة إلى طريقة عدّ "الحصى" لعدم إستطاعتهم القراءة والكتابة. والجدير بالملاحظة هنا أنّ المخاطب في "حساب العدّة" هم الرجال وليس النساء، وذلك لوقوع مسؤولية "النفقة والسكن" على عاتق الرجال، كما أنّ "حقّ الرجوع" عن الطلاق يعود إليهم وليس إلى النساء، وإلاّ فهنّ ملزمات أيضاً في إحصاء العدّة لتعيين تكليفهنّ. بعد ذلك يدعو الله تعالى الناس جميعاً إلى التقوى واجتناب المعاصي، حيث يقول تعالى: (اتّقوا الله ربّكم) فهو ربّكم الحريص على سعادتكم، فلا تعظوا له أمراً ولا تتركوا له طاعة، وخاصّة في "حساب العدّة" والتدقيق بها. ثمّ يذكر الحكم "الثالث" الذي يتعلّق بالأزواج والحكم "الرابع" الذي يتعلّق بالزوجات، يقول تعالى: (لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن). ورغم أنّ كثيراً من الجهلة لا يلتزمون بهذا الحكم عند الطلاق، حيث يسمح الرجل لنفسه أن يخرج المرأة بمجرّد إجراء صيغة الطلاق، كما تسمح المرأة لنفسها بالخروج من بيت زوجها والرجوع إلى أقاربها بمجرّد ذلك. ولكن يبقى لهذا الحكم فلسفته المهمّة وحكمته البالغة، فهو بالإضافة إلى إسداء الإحترام إلى المرأة، يهيىء أرضية جيّدة للإنصراف والإعراض عن الطلاق، ويؤدّي إلى تقوية الأواصر الزوجية. إنّ عدم الإلتزام بهذا الحكم الإسلامي الخطير، الذي جاء في نصّ القرآن الكريم، يسبّب كثيراً من حالات الطلاق التي تؤدّي إلى الفراق الدائم، بينما كثيراً ما يؤدّي الإلتزام بهذا الحكم إلى الرجوع والصلح والعودة إلى الزوجية مجدّداً. ولكن قد تقتضي بعض الظروف إخراج المرأة وعدم القدرة على الإحتفاظ بها في البيت، فيجيىء الحكم الخامس الإستثنائي إذ يقول تعالى: (إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة). كأن يكون الزوجان غير منسجمين إطلاقاً، ويكون أحدهما مثلا سيء الأخلاق إلى الدرجة التي لا يمكن معها البقاء معه في بيت واحد، وإلاّ ستنشأ مشاكل جديدة وعديدة. ويلاحظ هذا المعنى في روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام)(85). ولكن من الواضح أنّ ذلك لا يشمل كلّ بادرة للخلاف وعدم الإنسجام، فإنّ التعبير بـ "الفاحشة" يكشف عن كون ذلك العمل على قدر كبير من القبح، وخاصّة حينما وصفها بأنّها "مبيّنة". وربّما كان المقصود "بالفاحشة" عملا يتنافى مع العفّة، فقد جاء في رواية عن الإمام الصادق (ع) ما يشابه ذلك المعنى، وأنّ الغرض من "الإخراج" هنا هو الإخراج لإجراء الحدّ، ومن ثمّ الرجوع والعودة إلى البيت. ويمكن الجمع بين هذين المعنيين. بعد بيان هذه الأحكام يؤكّد القرآن الكريم - مرّة اُخرى - بقوله: (وتلك حدود الله ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه). لأنّ الغرض من هذه الأحكام هو إسعاد الناس أنفسهم، والتجاوز على هذه الأحكام - سواء من قبل الرجل أو المرأة - يؤدّي إلى توجيه ضربة قويّة إلى سعادتهم. ويقول تعالى في لفتة لطيفة إلى فلسفة العدّة، والحكمة من تشريعها، وعدم السماح للنساء المعتدات بالخروج من مقرّهن الأصلي البيت، يقول: (لا تدري لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً). ومع مرور الزمن يهدأ طوفان الغضب والعصبية الذي قد يسبّب الطلاق، غير أنّ مرور الزمن وحضور الزوجة إلى جانب زوجها خلال هذه الفترة في البيت، وإظهار ندم ومحبّة كلّ واحد منهما إلى الآخر، وكذلك التفكير مليّاً في عواقب هذا العمل القبيح، خاصّة مع وجود الأطفال، كلّ هذه الأمور قد تهيىء أرضية صالحة للرجوع عن هذا القرار المشؤوم، وتساهم في تبديد الغيوم التي تكدّر سماء العلاقة الزوجية. وفي إشارة لطيفة إلى هذا المعنى جاء في حديث عن الإمام الباقر (ع)"المطلّقة تكتحل وتختضب وتطيّب وتلبس ما شاءت من الثياب، لأنّ الله عزّوجلّ يقول: (لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً) لعلّها تقع في نفسه فيراجعها"(86). نعود إلى القول بأنّ التصميم على الإنفصال والطلاق يحدث في الغالب تحت تأثير الهيجان والإنفعالات العابرة، التي قد تنتهي وتتبدّد بمرور الزمن (أي أثناء فترة العدّة) فإنّ التفكير جيّداً في هذا الأمر قد يؤدّي إلى رجوع أحدهما إلى الآخر، وتجاوز حالات عديدة من الخلاف أثناء هذه الفترة، ولكن بشرط أن تراعى الأحكام الإسلامية أثناء فترة العدّة بشكل دقيق. وسيتّضح فيما بعد - إن شاء الله - أنّ ذلك كلّه يرتبط بحالة "الطلاق الرجعي". ملاحظات 1 - أبغض الحلال إلى الله الطلاق ممّا لا شكّ فيه أنّ عقد الزوجية من جملة العقود والمواثيق القابلة للفسخ، فهناك حالات من الخلاف لا يمكن معها استمرار العلاقة الزوجية، وإلاّ فإنّها ستؤدّي إلى مشاكل ومفاسد خطيرة وعديدة. ولهذا نجد الإسلام قد شرّع أمر الطلاق من الناحية المبدأية. بينما نلاحظ المجتمعات المسيحية التي منعت الطلاق - بأي شكل من الأشكال - تعيش مشاكل متعدّدة نتيجة لذلك، فغالباً ما يعيش الزوجان المختلفان حالة إنفصال وتباعد، أو حالة طلاقة من الناحية العملية، رغم عدم الإعتراف بذلك من الناحية الرسمية. وكثيراً يلجأ الزوجان إلى إختيار زوج آخر غير رسمي. وبناءً على ذلك فإنّ أصل الطلاق من الضروريات التي لا يمكن إلغاؤها بأي وجه من الوجوه، ولكن ينبغي أن لا يصار إليها إلاّ في الحالات التي يتعذّر فيها مواصلة العلاقة الزوجية والحياة المشتركة. ولهذا نجد أنّ الطلاق قد ذمّ في روايات إسلامية عديدة، وذكر على أنّه (أبغض الحلال إلى الله). ففي رواية عن الرّسول الأعظم (ص) أنّه قال: "ما من شيء أبغض إلى الله عزّوجلّ من بيت يخرّب في الإسلام بالفرقة، يعني الطلاق"(87). وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (ع): "ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق"(88). وفي آخر عن الرّسول (ص): "تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش"(89). وكيف لا يكون كذلك؟! والطلاق هو السبب وراء مآس عديدة تحلّ بالعوائل والرجال والنساء، وأكثر منهم بالأطفال والأولاد، ويمكن تقسيم تلك المآسي إلى ثلاثة أقسام: 1 - المشاكل العاطفية: ممّا لا شكّ فيه أنّ انتهاء العلاقة الزوجية بالطلاق والفراق، بعد حياة مشتركة عاشها الزوج والزوجة معاً، ستترك آثاراً سيّئة على الصعيد العاطفي على كلا الطرفين. وإذا أقدم أحدهما على الزواج مرّة اُخرى فسيبقى ينظر بشيء من القلق والإرتياب إلى الطرف الآخر، وربّما أعرض بعضهم عن الزواج نهائياً تحت تأثير التجربة الاُولى الفاشلة. 2 - المشاكل الإجتماعية: غالباً ما تحرم النساء المطلّقات من الحصول على الزوج المؤهّل والكفوء مرّة اُخرى، كما قد يواجه الرجال نفس المسألة حينما يبدأون يفكّرون بالزواج مرّة اُخرى، وقد يضطرّ هؤلاء إلى الزواج رغم عدم قناعاتهم، الأمر الذي يؤدّي إلى فقدان السعادة والراحة إلى الأبد. خصوصاً مع وجود أطفال من الزواج الأوّل. 3 - مشاكل الأطفال: وهذه أهمّ المشاكل حيث يحرم الأطفال من حنان ورعاية الاُمّ، ويعيشون في كنف زوجة أبيهم التي لا تنظر إلى هؤلاء الأطفال أو تعاملهم كما تعامل أطفالها الحقيقيين. وبهذا سيعيش الأبناء فراغاً عاطفياً من هذا الجانب لا يعوّضه شيء. وتتكرّر نفس الصورة فيما إذا حملت المرأة أطفالها معها إلى الزوج الجديد، فإنّ هذا الزوج الجديد لا يحلّ غالباً محلّ الأب الحقيقي. وهذا لا يعني أنّه لا يوجد نساء أو رجال يمتلكون المحبّة والشفقة التي تمتلكها الاُمّهات أو الآباء تجاه أطفالهم، ولكن مثل هؤلاء الناس قليلون في المجتمع ويندر الحصول عليهم. وبناءً على ذلك سيعيش هؤلاء الأطفال المحرومون من حبّ الاُمّ والأب عقداً معيّنة على الصعيد الروحي والعاطفي، وربّما يؤدّي إلى فقدانهم السلامة الروحية. ولهذا سيعاني المجتمع بأجمعه - وليس العائلة فقط - من هؤلاء الأطفال الذين قد يشكّلون في بعض الأحيان ظاهرة خطيرة عندما يعيشون حالة النقص وحبّ الإنتقام من المجتمع. وعندما وضع الإسلام كلّ تلك الموانع والصعوبات بوجه الطلاق، فإنّما أراد أن يجنّب المجتمع الإسلامي الوقوع بتلك المشاكل. ولهذا السبب أيضاً نلاحظ القرآن الكريم قد حثّ بشكل صريح كلا من الرجل والمرأة على أن يتّجها إلى العائلة والأقرباء لحلّ الإختلاف والمشاكل التي قد تنشأ بينهما، عن طريق تشكيل محكمة صلح عائلية تعرض عليها الإختلافات والنزاعات بدل عرضها على المحاكم الشرعية وحصول الطلاق والإنفصال. (وضّحنا هذا الأمر - أي محكمة الصلح العائلية في ذيل الآية 35 سورة النساء). وفي نفس الوقت نجد أنّ الإسلام شجّع كلّ ما من شأنه تقوية الأواصر العائلية وتقويتها، وشجب كلّ محاولة لإضعافها وتفكيكها. 2 - أسباب الطلاق: لا يختلف الطلاق عن الظواهر الإجتماعية الاُخرى التي تمدّ جذورها في المجتمع وتشارك في تكوينها أسباب واُمور عديدة متشابكة. وعمليّة منعها والوقوف بوجهها تبقى بدون جدوى ما لم يتمّ النظر إليها بشكل دقيق يتناول جميع العوامل التي تقف وراءها، وهي كثيرة جدّاً منها: أ - التوقّعات والآمال المفرّطة التي يبنيها كلّ واحد منهما على الطرف الثاني، فلو أنّهما جعلا توقّعهما في دائرة محدودة ومعقولة وتجنّبا التوغّل في عالم الخيال، وأدرك كلّ واحد منهما الطرف الآخر جيّداً، وحصر التوقّع في المجالات الممكنة، فحينئذ يمكن الحيلولة دون وقوع الكثير من حالات الطلاق. ب - إستحكام روح طلب الماديّات ووسائل الرفاه المختلفة يجعل الإنسان - وخاصّة النساء - في حالة عدم قناعة مستمرّة، ممّا يسهّل حصول عملية الطلاق والإنفصال عند مواجهة أبسط الحوادث تحت ذرائع وحجج متنوّعة. ج - تدخّلات الأقرباء في الشؤون الخاصّة للزوجين، وخاصّة تلك التدخلات في موارد الإختلافات بين الزوجين. ويعدّ ذلك من العوامل المهمّة التي تساعد على الطلاق. ونلاحظ من خلال التجربة أنّ خلافات الزوجين إذا ما تركت لشأنها دون تدخّل من الأقارب فسوف تتلاشى وتنطفىء شيئاً فشيئاً. أمّا إذا تمّ دخول طرف من الأقارب والمتعلّقين دخولا متحيّزاً متعصّباً، فإنّه سيؤدّي إلى إشعال هذه الخلافات وتعقيدها أكثر. ولكن هذا لا يعني أن يبعد الأقرباء أنفسهم عن هذه الإختلافات دائماً ودون إستثناء، فإنّ دخولهم حينما تكبر المشكلة وتخرج عن كونها خلافاً جزئيّاً جانبيّاً يكون لصالح العلاقة الزوجية ودوامها، خصوصاً إذا كان تدخّلا خالياً من التعصّب والإنحياز. د - عدم التفات كلّ من الزوجة والزوج إلى رغبات وطلبات أحدهما من الآخر، ففي الوقت الذي يحبّ الزوج أن تكون زوجته دائماً جذّابة نظيفة، كذلك تحبّ الزوجة لزوجها أن يكون كذلك. ولكن هذه الرغبات غالباً ما تكون مكبوتة لا يحاول كلّ منهما إبرازها والإعلان عنها. وهكذا فإنّ عدم إهتمام الأزواج بهندامهم وترك التزيين والترتيب، وعدم الإهتمام بالنظافة، كلّ تلك الاُمور تمنع الزوج أو الزوجة من الإستمرار بمشروع الزواج، خاصّة إذا كان هناك من يهتمّ بهذه المسائل في المحيط الذي يعيش فيه هؤلاء الزوجان. لهذا نجد الروايات الإسلامية أعطت أهميّة خاصّة لهذا الجانب، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): "لا ينبغي للمرأة أن تعطّل نفسها"(90). وجاء في حديث آخر عنه أيضاً (ع): "ولقد خرجن نساء من العفاف إلى الفجور ما أخرجهنّ إلاّ قلّة تهيئة أزواجهنّ"(91). هـ - عدم تناسب المستوى الثقافي للعوائل، وكون الزوج يعيش نوعاً من الثقافة العائلية لا تنسجم مع ثقافة الزوجة العائلية. ولهذا ينبغي التدقيق في هذا الأمر قبل الإقدام على الزواج، فالمطلوب ليس فقط "الكفاءة الشرعية" أي الإلتزامات الإسلامية، وإنّجا يجب أن تتوفّر - أيضاً - "الكفاءة الفرعية" أي التماثل والتشابه في الاُمور الاُخرى بين الطرفين. وإلاّ فحدوث تصدع في العائلة غير مستبعد. 3 - فلسفة ضبط وإحصاء العدّة ممّا لا شكّ فيه أنّ للعدّة حكمتين أساسيتين اُشير إليهما في القرآن الكريم والروايات الإسلامية. الاُولى: مسألة حفظ النسل واتّضاح وضع المرأة من حيث الحمل وعدمه. والاُخرى: توفير فرصة جيّدة للرجوع عن الطلاق والعودة إلى الحياة الاُولى، والقضاء على عوامل الإنفصال التي تمّت الإشارة إليها في الآية أعلاه، علماً أنّ الإسلام يؤكّد على بقاء النساء في بيوت الأزواج أثناء العدّة، ممّا يسمح بالبحث مرّة اُخرى عن وسائل للعودة، وترك الإنفصال عن بعضهما. وخصوصاً في حالة الطلاق الرجعي(92) حيث لا يحتاج الرجوع إلى الزوجة إلى أيّة مراسيم أو اُمور رسمية. وكلّ عمل يعتبر عودة عن هذا الطريق ولو بمجرّد وضع الرجل يده على جسم المرأة، حتّى لو كان بدون شهوة، فإنّه يعتبر رجوعاً عن الطلاق. وإذا ما مرّت هذه الفترة (أي فترة العدّة) دون أن تظهر أي بادرة للصلح والتوافق، فهذا يعني أنّهما غير مستعدّين للإستمرار في الحياة الزوجية. أوردنا شرحاً لهذا الموضوع في ذيل الآية (228) سورة البقرة. ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء﴾ خص النداء وعم الخطاب بالحكم لأن النبي إمام أمة فنداؤه كندائهم أو المعنى يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم أي إذا أردتم تطليقهن كقوله إذا قمتم إلى الصلاة ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ اللام للتوقيت أي وقت تحصينه من عدتهن وهو أن يكون في طهر لم يجامعهن أزواجهن فيه وإذا فقد شرط التوقيت لا يقع الطلاق عندنا ﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾ اضبطوها وأتموها ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾ بامتثال أوامره وترك نواهيه ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ﴾ مدة العدة ﴿مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ التي طلقن وهن فيها ﴿وَلَا يَخْرُجْنَ﴾ وإن أذن الزوج لهن للإطلاق فإن له حقا فيه معهما وقيل بالجواز ﴿إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ ظاهرة وهي أن تزني أو تؤذي أهل زوجها كما عن أهل البيت (عليهم السلام) ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ بأن عرضها للعذاب ﴿لَا تَدْرِي﴾ أي النفس أو أيها النبي أو المطلق ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ رغبة في الرجعة.