لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(ويرزقه من حيث لا يحتسب) ولا يتصوّر تحصيله. (ومن يتوكّل على الله فهو حسبه) وسيكفيه ما يهمّه من اُموره. (إنّ الله بالغ أمره) لأنّ الله عزّوجلّ قادر مطلق، وأمره نافذ في كلّ شيء وتخضع جميع الكائنات لمشيئته وإرادته... ولهذا يحذّر النساء والرجال والشهود أن لا يخافوا قول الحقّ، ويحثّهم على الإعتماد عليه واللجوء إليه في تيسير الصعوبات، لأنّه قد تعهّد بأن ييسّر للمتّقين أمرهم، ويجعل لهم مخرجاً ويزرقهم من حيث لا يحتسبون. لقد تعهّد الله أن لا يترك من توكّل عليه يتخبّط في حيرته، وإنّه لقادر على الوفاء بهذا التعهّد. ورغم أنّ هذه الآيات نزلت بشأن الطلاق والأحكام المتعلّقة به، لكنّها تحتوي مفاهيم واسعة ومعاني عظيمة تشمل جميع المجالات التي يعاهد الله بها المتّقين، ويبعث في نفوسهم الأمل بأنّه سيشملهم بلطفه ورعايته، فينجيهم من المآزق، ويرشدهم إلى الصواب، ويفتح أمامهم الآفاق الرحبة، ويرفع عنهم مشاكل الحياة وصعوباتها، ويبدّد الغيوم السوداء التي تلبّد سماء سعادتهم. وفي إشارة لطيفة إلى النظام العامّ الذي يحكم التكوين والتشريع، يقول تعالى: (قد جعل الله لكلّ شيء قدراً) فكلّ هذه الأحكام والأوامر التي فرضها الله في شأن الطلاق، إنّما كانت ضمن حساب دقيق ومقاييس عامّة شاملة لا يغيب عنها شيء. وهكذا يجب أن يلتزم الناس في جميع المشاكل التي تنتاب حياتهم - وليس فقط في مسألة الطلاق - بالموازين والأحكام الشرعية، وأن يواجهوا تلك الاُمور بالتقوى والصبر وطلب التوفيق من الله، لا أن يطلقوا ألسنتهم بالشكوى وارتكاب الذنوب، وما إلى ذلك ويتوسّلون بالطرق غير المشروعة لحلّ مشاكلهم. ملاحظات 1 - التقوى والنجاة من المشاكل إنّ تلاوة الآيات السابقة تبعث - أكثر من غيرها - الأمل في النفوس، وتمنح القلب صفاءً خاصّاً، وتمزّق حجب اليأس والقنوط، وتنير الأرواح بنور الأمل، إذ تعدّ كلّ المتّقين بحلّ مشاكلهم وتسهيل اُمورهم. جاء في حديث عن أبي ذرّ الغفاري أنّ رسول الله (ص) قال: "إنّي لأعلم آية لو أخذها بها الناس لكفتهم (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) فما زال يقولها ويعيدها"(93). وفي حديث آخر عن الرّسول (ص) في تفسير هذه الآية أنّه قال: "من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، وشدائد يوم القيامة". وهذا التعبير دليل على أنّ تيسير اُمور المتّقين ليس في الدنيا فقط وإنّما يشمل القيامة أيضاً. وفي حديث آخر عنه (ص) أنّه قال: "من أكثر الإستغفار جعله الله له من كلّ هم فرجاً ومن كلّ ضيق مخرجاً"(94). قال بعض المفسّرين: إنّ أوّل الآية السابقة نزلت بحقّ (عوف بن مالك) وهو أحد أصحاب الرّسول (ص) الذي أُسر إبنه فجاء يشكو هذا الحادث وفقر حاله وضيق ذات يده إلى الرّسول فنصحه رسول الله بقوله: "اتّق الله واصبر، وأكثر من قول "لا حول ولا قوّة إلاّ بالله" ففعل ذلك وفجأة بينما هو جالس في بيته دخل عليه ولده، فتبيّن أنّه قد استغفل الأعداء وفرّ من قبضتهم وجاء بجمل معه منهم. لذا نزلت هذه الآية التي تخبر عن تيسير معضلة هذا الرجل المتّقي من حيث لا يحتسب(95). ولا يعني هذا إطلاقاً أنّ الآية تحثّ على ترك السعي وبذل الجهد والجلوس في البيت والركون إلى الله وأن يردّد الإنسان قول "لا حول ولا قوّة إلاّ بالله" لينزل عليه الرزق من حيث لا يحتسب. إنّ ما تريد الآية الكريمة أن تركّز عليه هو أنّ السعي لابدّ أن يكون معه وإلى جانبه تقوى، وإذا ما أغلقت الأبواب مع كلّ هذا حينئذ يتدخّل الباريء لفتح هذه الأبواب. لهذا نجد في الحديث أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) (عمر بن مسلم) إنقطع فترة عن الإمام، قال الإمام (ع) ما فعل عمر بن مسلم (ع) قلت: جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة فقال: ويحه! أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له، إنّ قوماً من أصحاب رسول الله (ص) لمّا نزلت: (ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك النبي (ص) فأرسل إليهم قال: "ما حملكم على ما صنعتم به" فقالوا: يارسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة قال (ص): "إنّه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب"(96). 2 - روح التوكّل المقصود من التوكّل على الله هو أن يسعى الإنسان لأن يجعل عاقبة عمله وكدحه على الله ويوكّلها إليه، ويدعوه لتسهيل أمره، فإنّه لطيف بعباده رحيم بهم وعلى كلّ شيء قدير. والشخص الذي يعيش حقيقة "التوكّل على الله" لا يجد اليأس إليه منفذاً، ولا يدبّ في عزمه الضعف، ولا يشعر بالنقص والصغر أمام المشاكل مهما كبرت، ويبقى يقاوم ويواجه الأحداث بقوّة وإيمان راسخين. ويعطيه هذا الإيمان والتوكّل قدرة نفسية عظيمة يستطيع معها تجاوز الصعاب. ومن جانب آخر تنهمر عليه الإمدادات الغيبية والمساعدات التي وعده الله. ففي حديث عن الرّسول (ص): سألت من جبرائيل: ما التوكّل؟ قال "العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله، ولم يرج ولم يخف سوى الله، ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكّل"(97). فالتوكّل بهذا المضمون العميق يمنح الإنسان شخصية جديدة ويكون له تأثير على جميع أعماله. لذا نقرأ في حديث عن الرّسول (ص) أنّه سأل الله عزّوجلّ في ليلة المعراج: إلهي أي الأعمال أفضل؟ قال تعالى: "ليس شيء عندي أفضل من التوكّل عليّ والرضا بما قسمت"(98). ومن الطبيعي أنّ التوكّل بهذا المعنى سيكون توأماً مع الجهاد والسعي وليس مع الكسل والفرار من المسؤوليات. وقد أوردنا بحثاً آخر في هذا المجال في ذيل الآية 12 سورة إبراهيم. ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ من وجه لم يخطر بباله ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ كافيه ﴿إِِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ مقدارا وميقاتا.