لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتبيّن الآية اللاحقة سابع - وآخر حكم - في هذا المجال حيث يقول تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه الله لا يكلّف الله نفساً إلاّ ما آتاها). فهل أنّ هذا الأمر يرتبط بالنساء اللائي يتعهدنّ رضاعة أطفالهنّ بعد الفرقة والطلاق، أو أثناء العدّة التي اُشير إليها بصورة إجمالية في الآيات السابقة، أو أنّه يرتبط بكليهما معاً. ويبدو أنّ المعنى الأخير أنسب وأقرب، رغم أنّ بعض المفسّرين اعتبرها خاصّة بالنساء المرضعات فقط في الوقت الذي أطلقت الآيات السابقة على هذا الأمر تعبير "أجر" وليس "نفقة وإنفاق". على كلّ حال لا ينبغي للذين ليس لهم القدرة أن يتشدّدوا ويعقدوا الاُمور، كما أنّ الذين لا يملكون القدرة المالية غير مأمورين إلاّ بالقدر الذي تسعه قدرتهم المالية ولا يحقّ للنساء مطالبتهم بأكثر من ذلك. وبناءً على هذا فالذين لديهم المقدرة والإستطاعة ثمّ يبخلون بها فإنّهم يستحقّون اللوم والتقريع لا الذين لا يملكون شيئاً. وفي نهاية المطاف يبشّرهم الله تعالى بقوله: (سيجعل الله بعد عسر يسراً) أي لا تجزعوا ولا تحزنوا ولا يكن الضيق في المعيشة سبباً لخروجكم عن الطريق السوي، فإنّ الدنيا أحوال متقلّبة لا تبقى على حال، فحذار من أن تقطع المشاكل العابرة والمرحلية حبل صبركم. وكانت هذه الآية بمثابة بشرى أبدية للمسلمين الذين كانوا حينذاك يعيشون ضنكاً مادياً وعوزاً في متطلّبات الحياة، فهي تبعث الأمل في نفوسهم وتبشّر الصابرين. ولم تمض فترة طويلة حتّى فتح الله عليهم أبواب رحمته وبركته. بحوث 1 - أحكام الطلاق الرجعي قلنا أنّه في الطلاق الرجعي يستطيع الزوج متى شاء أن يرجع إلى زوجته خلال فترة العدّة إلى آخر يوم منها، بلا حاجة إلى عقد أو ما شابه، والطريق إلى ذلك سهل يسير يمكن أن يتمّ بأي حديث أو عمل يشمّ منه رائحة العودة ويدلّ على الرجوع في العلاقة الزوجية، وقد اختصّت بعض الأحكام التي وردت في الآيات أعلاه مثل "النفقة" و "السكن" بحالة الطلاق الرجعي، يضاف إلى ذلك عدم خروج المرأة من بيت زوجها أثناء العدّة، فإنّها أيضاً من مختّصات الطلاق الرجعي أمّا الطلاق البائن غير القابل للرجوع، (كالطلاق للمرّة الثالثة) فإنّه غير مشمول بتلك الأحكام. أمّا حقّ النفقة والسكن فهو ثابت للنساء الحوامل إلى حين وضع الحمل. والتعبير بـ (لا تدري لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً) إشارة إلى أنّ كلّ الأحكام السابقة - أو بعضها - مرتبط بالطلاق الرجعي(105). 2 - لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها ليس العقل وحده يحكم بذلك، وإنّما الشرع هو الآخر شاهد ودليل على ذلك. أي أنّ تكاليف البشر ومسؤولياتهم إنّما هي بقدر طاقاتهم وتعبير (لا يكلّف الله نفساً إلاّ ما آتاها) التي وردت ضمن الآيات السابقة هو إشارة إلى هذا المعنى. ولكن ورد في بعض الروايات أنّ المقصود بـ (ما آتاها) هو "ما أعلمها" أي أنّ الله يكلّف الناس بقدر ما أعلمهم به. ولذا استدلّ بهذه الآية على إثبات "أصل البراءة" في مباحث علم الاُصول، فمن لا يعلم حكماً ليس عليه مسؤولية تجاه ذلك الحكم. ونظراً لأنّ عدم الإطّلاع يؤدّي أحياناً إلى عدم المقدرة، فمن الممكن أن يكون المقصود هو الجهل الذي يكون مصدراً للعجز. وبناءً على هذا فإنّه سيكون للآية مفهوم واسع يشمل عدم القدرة والجهل الذي يؤدّي إلى عدم القدرة على إنجاز التكليف. 3 - أهميّة النظام العائلي إنّ الدقّة والظرافة التي عالجت بها الآيات القرآنية أحكام النساء المطلّقات وحقوقهنّ وباقي الجزئيات المتعلّقة في هذا المجال، الواردة في آيات قرآنية اُخرى، تمثّل بمجموعها المنهج والقانون الإسلامي لمواجهة هذه المشاكل. كلّ ذلك يبرز الأهميّة الخاصّة التي يوليها الإسلام لنظام العائلة ورعاية حقوق المرأة والأبناء. فهو يسعى لمنع وقوع الطلاق قدر الإمكان، ويحاول إستئصال جذور هذا العمل البغيض، ولكن إذا وصلت هذه الجهود إلى طريق مسدود وأصبح الطلاق والإنفصال هو العلاج الوحيد، عندها يحذّر من ضياع حقوق الأطفال ويرفض أن تذهب هذه الحقوق ضحيّة هذا النزاع، حتّى أنّه شرع حكم الطلاق بطريقة يمكن في ضوئها الرجوع عنه غالباً. إنّ أوامر الإمساك بمعروف والطلاق بمعروف، وكذلك عدم الإضرار والتضييق على النساء والتشدّد في أمرهنّ، والتشاور الحسن في شؤون الأطفال، وما إلى ذلك كلّها شواهد على ذلك. غير أنّ عدم إطّلاع المسلمين على هذه الأحكام وجهلهم بها، أو إعراضهم عن الإلتزام بها رغم علمهم، أدّى إلى نشوء مشاكل عائلية عديدة حين الطلاق، وخاصّة في شأن الأطفال. وذلك نتيجة إبتعاد المسلمين عن مصدر الفيض الإلهي الذي هو القرآن. فمثلا في الوقت الذي يدعو القرآن إلى عدم خروج النساء من بيت الزوج في أيّام العدّة، ولا يحقّ للزوج إكراهها على الخروج أثناء تلك الفترة المحدّدة ممّا يؤدّي هذا الحكم إلى العدول عن الطلاق ورجوع النساء إلى الحياة الزوجية، نرى قلّة من النساء والرجال يلتزمون بذلك بعد وقوع الطلاق، وهذا ما يدعو إلى الأسف حقّاً. ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ﴾ ضيق ﴿عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ أي على قدره ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ تطييب لقلب الفقير ووعد له باليسر عاجلا أو آجلا.