التّفسير:
العاقبة المؤلمة للعاصين:
في كثير من الموارد يأتي القرآن على ذكر الاُمم السابقة بعد إيراد سلسلة من الأحكام والتكاليف، لكي يرى المسلمون بأعينهم عاقبة كلّ من (الطاعة والعصيان) في تجارب الماضي وتأخذ القضيّة طابعاً حسيّاً.
ولم يخرج القرآن الكريم في هذه السورة عن هذا النهج، فبعد ذكر وظائف كلّ من الرجال والنساء عند الطلاق، يحذّر العاصين والمتمرّدين من العواقب الوخيمة التي تنتظرهم بقوله في البداية: (وكأين من قرية عتت عن أمر ربّها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذّبناها عذاباً نكراً)(106).
والمقصود بـ "القرية" هو محل إجتماع الناس، وهو أعمّ من المدينة والقرية، والمراد هو أهلها.
"عتت" من مادّة "عتو" على وزن "غلو" بمعنى التمرّد على الطاعة.
و "نكر" على وزن "شكر" ويعني العمل الصعب الذي لم يسبق له مثيل.
"حساباً شديداً" أي الحساب الدقيق المقرون بالشدّة والصرامة، ويعني العقاب الشديد الذي هو نتيجة الحساب الدقيق.
وهو على كلّ حال إشارة إلى عاقبة الأقوام السابقة المتمرّدة العاصية في هذه الدنيا، التي هلكت بعضها بالطوفان، وبعضها بالزلازل، وآخرون بالصواعق والعواصف، وأمثالهم حلّ بهم الفناء وبقت ديارهم وآثارهم عبرة للأجيال بعدهم.
﴿وَكَأَيِّن﴾ وكم ﴿مِّن قَرْيَةٍ﴾ أي أهلها ﴿عَتَتْ﴾ عصت وتعدت ﴿عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا﴾ في الآخرة جيء بالماضي لتحققه ﴿حِسَابًا شَدِيدًا﴾ بالمناقشة ﴿وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا﴾.