وفي الآية اللاحقة يتعرّض لهذا الحادث بشكل أوسع: (وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلمّا نبّأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض).
ما هذا السرّ الذي أسرّه النبي لبعض زوجاته ثمّ لم يحفظنه؟
طبقاً لما أوردناه في أسباب النزول فإنّ هذا السرّ يتكوّن من أمرين:
الأوّل: تناول العسل عند زوجته (زينب بنت جحش).
والثاني: تحريم العسل على نفسه في المستقبل.
أمّا الزوجة التي أذاعت السرّ ولم تحافظ عليه فهي "حفصة" حيث أنّها نقلت ذلك الحديث الذي سمعت به إلى عائشة.
أمّا الرّسول (ص) فقد اطّلع على إفشاء هذا السرّ عن طريق الوحي، وذكر بعضه "لحفصة" ومن أجل عدم إحراجها كثيراً لم يذكر لها القسم الثاني (ولعلّ القسم الأوّل يتعلّق بأصل شرب العسل، والثاني هو تحريم العسل على نفسه).
وعلى كلّ فإنّه: (فلمّا نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير).
ويتّضح من مجموع هذه الآيات أنّ بعض زوجات الرّسول لم يكتفين بإيذاء النبي (ص) بكلامهنّ، بل لا يحفظن سرّه، وحفظ السرّ من أهمّ صفات الزوجة الصالحة الوفيّة لزوجها، وكان تعامل الرّسول (ص) معهنّ على العكس من ذلك تماماً إلى الحدّ الذي لم يذكر لها السرّ الذي أفشته كاملا لكي لا يحرجها أكثر، واكتفى بالإشارة إلى جزء منه.
ولهذا جاء في الحديث عن الإمام علي (ع): "ما استقصى كريم قطّ، لأنّ الله يقول: (عرّف بعضه وأعرض عن بعضه)(116).
﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ حفصة ﴿حَدِيثًا﴾ تحريم مارية أو العسل أو استيلاء الشيخين بعده ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ﴾ حفصة عائشة ﴿بِهِ﴾ الحديث ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ أطلعه على إفشائه ﴿عَرَّفَ﴾ أعلم النبي حفصة ﴿بَعْضَهُ﴾ بعض ما ذكرت ﴿وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ﴾ عن تعريفه تكرما ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ أي الله التفات إلى خطابهما للمبالغة في توبيخهما.