لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وبعد هذا - في الآية التالية - يصرّح القرآن بأنّ كل ما يصيب الإِنسان من خيرات وفوائد وكل ما يواجهه الكائن البشري من سرور وإنتصار هو من عند الله، وإِن ما يحصل للإِنسان من سوء وضرر وهزيمة أو خسارة فهو بسبب الإِنسان نفسه تقول الآية: (ما أصابك من حسنة فمن عند الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك...) وتردّ الآية في آخرها على أُولئك الذين كانوا يرون وجود النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبباً لوقوع الحوادث المؤسفة فيما بينهم فتقول: (يوأرسلناك للنّاس رسو وكفى بالله شهيداً). جواب على سؤال مهم: السّؤال المهم الذي يتبادر إِلى الذهن حين قراءة هاتين الآيتين الأخيرتين هو: لماذا نسب الخير والشر في الآية الأُولى كلّه لله؟ ولماذا حصرت الآية التالية الخير - وحده - لله، ونسبت الشرّ إِلى الإِنسان؟ حين نمعن النظر في الآيتين تواجهنا عدّة أُمور، يمكن لكل منها أن يكون هو الجواب على هذا السؤال. 1 - لو أجرينا تحلي على عناصر تكوين الشر لرأينا أنّ لها اتجاهين: أحدهما إِيجابي والآخر سلبي، والإِتجاه الأخير هو الذي يجسد شكل الشر أو السيئة ويبرزه على صورة "خسارة نسبية" فالإِنسان الذي يقدم على قتل نظيره يبسلاح ناري أو سلاح بارد يكون قد ارتكب بالطبع عم شريراً وسيئاً، فما هي إِذن عوامل حدوث هذا العمل الشرير؟ إِنّها تتكون من: أوّلا: قدرة الإِنسان وعقله وقدرة السلاح والقدرة على الرمي والتهديف الصحيحين واختيار المكان والزمان المناسبين، وهذه تشكل عناصر الإِتجاه الإِيجابي للقضية، لأنّ كل عنصر منها يستطيع في حدّ ذاته أن يستخدم كعامل لفعل حسن إِذا استغل الإِستغلال الحكيم، أمّا الإِتجاه السلبي فهو في ياستغلال كل من هذه العناصر في غير محله، فبد من أن يستخدم السلاح لدرء خطر حيوان مفترس أو للتصدي لقاتل ومجرم خطير، يُستخدم في قتل إِنسان بريء، فيجسد بذلك فعل الشر، وإِلاّ فإِنّ قدرة الإِنسان وعقله وقدرته على الرمي والتهديف، وأصل السلاح وكل هذه العناصر، يمكن أن يستفاد منها في مجال الخير. وحين تنسب الآية الأُولى الخير والشرّ كلّه لله، فإِن ذلك معناه أنّ مصادر القوّة جميعها بيد الله العليم القدير حتى تلك القوّة التي يساء استخدامها، ومن هذا المنطلق تنسب الخير والشرّ لله، لأنّه هو واهب القوى. والآية الثّانية: تنسب "السيئات" إِلى الناس إنطلاقاً من مفهوم "الجوانب السلبية" للقضية ومن الإِساءة في استخدام المواهب الإِلهية. ييتماماً مثل والد وهب ابنه ما ليبني به داراً جديدة، لكن هذا الولد بد من أن يستخدم هذا المال في بناء البيت المطلوب، اشترى مخدرات ضارة أو صرفه في مجالات الفساد والفحشاء، لا شك أنّ الوالد هو مصدر هذا المال، لكن أحداً لا ينسب تصرف الابن لوالده، لأنه أعطاه للولد لغرض خيري حسن، لكن الولد أساء استغلال المال، فهو فاعل الشرّ، وليس لوالده دخل في فعلته هذه. 2 - ويمكن القول - أيضاً - بأنّ الآية الكريمة إِنّما تشير إِلى موضوع "الأمر بين الأمرين". وهذه قضية بحثت في مسألة الجبر والتفويض، وخلاصة القول فيها أنّ جميع وقائع العالم خيراً كانت أم شرّاً - هي من جانب واحد تتصل بالله سبحانه القدير لأنّه هو الذي وهب الإِنسان القدرة والقوّة وحرية الإِنتخاب والإِختيار، وعلى هذا الأساس فإِنّ كل ما يختاره الإِنسان ويفعله بإِرادته وحريته لا يخرج عن إِرادة الله، لكن هذا الفعل ينسب للإِنسان لأنّه صادر عن وجوده، وإِرادته هي التي تحدد اتجاه الفعل. ومن هنا فإِنّنا مسؤولون عن أعمالنا، واستناد أعمالنا إِلى الله - بالشكل الذي أوضحناه - لا يسلب عنّا المسؤولية ولا يؤدي إِلى الإِعتقاد بالجبر. وعلى هذا الأساس حين تنسب "الحسنات" و"السيئات" إِلى الله سبحانه وتعالى، فلفاعلية الله في كل شيء، وحين تنسب السيئة إِلى الإِنسان فلإِرادته وحريته في الإِختيار. وحصيلة هذا البحث إِنّ الآيتين معاً تثبتان قضية الأمر "الأمر بين الأمرين" (تأمل بدقّة)! 3 - هناك تفسير ثالث للآيتين ورد فيما أثر عن أهل البيت(عليهم السلام)، وهو أنّ المقصود من عبارة السّيئات جزاء الأعمال السيئة وعقوبة المعاصي التي ينزلها الله بالعاصين، ولما كانت العقوبة هي نتيجة لأفعال العاصين من العباد، لذلك تنسب أحياناً إِلى العباد أنفسهم وأحياناً أُخرى إِلى الله، وكلا النسبتين صحيحتان، إذ يمكن القول في قضية إِنّ القاضي هو الذي قطع يد السارق، كما يجوز أن يقال إِنّ السارق هو السبب في قطع يده لارتكابه السرقة. ﴿مَّا أَصَابَكَ﴾ يا إنسان ﴿مِنْ حَسَنَةٍ﴾ من نعمة ﴿فَمِنَ اللّهِ﴾ تفضلا منه وامتحانا ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ﴾ بلية ﴿فَمِن نَّفْسِكَ﴾ لأنك السبب فيها لارتكاب الذنوب الجالبة لها ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً﴾ حال مؤكدة ﴿وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا﴾ على إرسالك.