لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
في آخر آية من هذه الآيات يخاطب الله تعالى جميع نساء النبي بلهجة لا تخلو من التهديد: (عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيّبات وأبكاراً). لذا فهو ينذرهنّ ألاّ يتصورن أنّ الرّسول (ص) سوف لن يطلّقهن، أو يتصوّرن أنّ النبي لا يستبدلهنّ بنساء اُخريات أفضل منهنّ، وذلك ليكففن عن التآمر عليه وإلاّ فسيحرمن من شرف منزلة "زوجة الرّسول" إلى الأبد، وستأخذ نساء اُخريات أفضل منهنّ هذا اللقب الكريم. بحوث 1 - صفات الزوجة الصالحة: يضع القرآن الكريم عدّة صفات للمرأة الصالحة التي يمكنها أن تكون نموذجاً يقتدى به في إنتخاب الزوجة اللائقة. الأوّل "الإسلام" ثمّ "الإيمان" أي الإعتقاد الذي ينفذ ويترسّخ في أعماق قلب الإنسان. ثمّ حالة "القنوت" أي التواضع وطاعة الزوج. بعد ذلك "التوبة" ويقصد أنّ الزوجة إذا ما ارتكبت ذنباً بحقّ زوجها فإنّها سرعان ما تتوب وتعتذر عن ذلك. وتأتي بعد ذلك "العبادة" التي جعلها الله سبحانه ليطهّر بها قلب الإنسان وروحه ويصنعها من جديد، ثمّ "إطاعة أوامر الله" والورع عن محارمه. وممّا يذكر أنّ جماعة من المفسّرين - بل أكثرهم - اعتبروا كلمة "سائح" بمعنى "صائم" ولكن طبقاً لما أورده "الراغب" في "المفردات" فإنّ الصوم على قسمين: "صوم حكمي": وهو الإمتناع عن تناول الطعام والماء، و "صوم حقيقي": وهو إمتناع أعضاء الإنسان عن إرتكاب المعاصي. والمقصود بالصوم هنا هو المعنى الثاني، "إذ أنّ مناسبات الحال والمقام تقوّي قول الراغب وتجعله مناسباً، غير أنّه يجب أن يعلم أنّ السائح فسّر أيضاً بمعنى السائر في طريق طاعة الله"(120). ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن لم يعط أهميّة تذكر للباكر وغير الباكر، فإنّه عندما ذكر الصفات المعنوية للزوجة الصالحة ذكر هذه المسألة بصورة عابرة ودون أي تركيز. 2 - من هم (صالح المؤمنين)؟ ممّا لا شكّ فيه أنّ صالح المؤمنين، لها معان واسعة تشمل جميع المؤمنين الصالحين الأتقياء الذين كمل إيمانهم، ورغم أنّ كلمة (صالح) وردت هنا بصيغة المفرد، ولكن يمكن أن يستفاد منها العموم لأنّها تتضمّن معنى الجنس(121). ولكن ما هو المصداق الأكمل والأتمّ لهذا المصطلح؟ يستفاد من روايات عديدة أنّ المقصود هو الإمام علي أمير المؤمنين (ع). في حديث عن الإمام الباقر (ع) يقول: "لقد عرّف رسول الله علياً أصحابه مرّتين: أمّا مرّة فحيث قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" وأمّا الثانية فحيث نزلت هذه الآية: (فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين... ) أخذ رسول الله بيد علي فقال: أيّها الناس، هذا صالح المؤمنين!!؟" وقد نقل هذا المعنى في كتب عديدة لعلماء أهل السنّة منهم العلاّمة "الثعلبي" و "الكنجي" في "كفاية الطالب" و "أبو حيّان الأندلسي" و "السبط ابن الجوزي" وغيرهم(122). وقد أورد جمع من المفسّرين منهم "السيوطي" في "الدرّ المنثور" في ذيل الآية مورد البحث و "القرطبي" في تفسيره المعروف، وكذلك "الآلوسي" في "روح المعاني" في تفسير هذه الآية أوردوا هذه الرواية. وبعد أن نقل مؤلّف (روح البيان) هذه الرواية عن (مجاهد) قال: ويؤيّد هذه الرواية الحديث المعروف: "حديث المنزلة" الذي وصف فيه الرّسول مكانة علي(ع) منه بقوله لعلي "أنت منّي بمنزلة هارون من موسى" نظراً لأنّ عنوان الصالحين استعمل في القرآن الكريم للإشارة إلى الأنبياء. منها (وكلا جعلنا صالحين) (سورة الأنبياء الآية 72) و (ألحقني بالصالحين)(123). (حيث أطلق في الاُولى على مجموع الأنبياء وفي الثانية على يوسف). ولكون علي بمنزلة هارون فإنّه سيكون كذلك مصداقاً لـ (الصالح) (فتأمّل)! خلاصة القول: أنّ هناك عدداً كثيراً من الأحاديث وردت في هذا المجال، فبعد أن نقل المفسّر المعروف (المحدّث البحراني) في تفسير البرهان رواية في هذا المجال عن محمّد بن عبّاس(124) أنّه جمع 52 حديثاً تتناول هذا الموضوع من طريق الشيعة والسنّة ثمّ قام هو بنقل بعضها(125). 3 - عدم رضا الرّسول عن بعض زوجاته هناك على طول التاريخ عظماء كثيرون لم يحظوا بزوجات تناسب شأنهم وإهتماماتهم، ونتيجة لعدم توفّر الشروط اللازمة بزوجاتهم، فقد ظلّوا يعانون من ذلك كثيراً، وقد ذكر لنا القرآن الكريم نماذج من هذه المعاناة وقعت للأنبياء العظام. وربّما توضّح الآيات السابقة أنّ معاناة الرّسول (ص) من بعض أزواجه كانت من هذا القبيل، فنظراً لوجود الغيرة والتسابق فيما بينهنّ كنّ يسبّبن متاعب للنبي الكريم. فقد كنّ أحياناً يعترضن عليه أو يفشين سرّه، الأمر الذي جعل القرآن الكريم يوجّه لهنّ خطاباً مباشراً بالتوبيخ وأصدر أقوى البيانات في هذا المجال، حتّى أنّه هدّدهنّ بالطلاق. وقد لاحظنا الرّسول قد غضب على زوجاته وأظهر عدم رضاه لمدّة شهر تقريباً بعد نزول هذه الآيات أملا في إصلاحهنّ. ويمكن أن نلاحظ بشكل واضح - من خلال حياة الرّسول (ص) - أنّ بعض زوجاته لم يدركن مقام النبوّة فحسب، بل قد يتعاملن معه كإنسان عادي، وأحياناً يتعرضنّ له بالإهانة. وبناءً على هذا فإنّه لا معنى للإصرار على أنّ جميع زوجات الرّسول كنّ على قدر عال من الكمال واللياقة، خصوصاً مع الأخذ بالإعتبار صراحة الآيات السابقة. ولم يكن هذا المعنى مقتصراً على حياة الرّسول فقط، فبعد وفاته نقل لنا التاريخ أمثلة مشابهة، خاصّة في قصّة حرب الجمل والموقف من خليفة رسول الله (ص) وما جرى من اُمور ليس هنا مجال الخوض فيها. ومن الواضح أنّ الآيات السابقة تقول بشكل صريح: إنّ الله سيعطي النبي زوجات صالحات تتوفّر فيهنّ الصفات المذكورة في الآيات إذا طلّقكن وسرحكن، وهذا يكشف عن أنّ هناك من زوجات الرّسول ممّن لا تتوفّر فيهنّ تلك الصفات والشروط. ويؤيّد ذلك ما جاء في سورة الأحزاب حول زوجات الرّسول. 4 - إفشاء السرّ إنّ حفظ السرّ والمحافظة عليه وعدم إفشائه، ليس فقط من صفات المؤمنين، بل هي صفة ينبغي توفّرها بكلّ إنسان ذي شخصية قويّة محترمة، وتتجلّى أهميّة هذه الصفة أكثر مع الأصدقاء والأقرباء وبالأخصّ بين الزوج والزوجة. وقد لاحظنا في الآيات السابقة كيف أنّ القرآن لام أزواج النبي بشدّة ووبّخهنّ على إفشائهنّ للسرّ وعدم محافظتهنّ عليه. ورد عن أمير المؤمنين قوله: "جمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السرّ ومصادقة الأخيار، وجمع الشرّ في الإذاعة ومؤاخاة الأشرار"(126). 5 - لا تحرّموا على أنفسكم ما أحلّه الله لكم من المؤكّد أنّ الله لم يحلّل أو يحرّم شيئاً إلاّ طبقاً لحسابات ومصالح دقيقة، وبناءً على هذا فلا مجال لأن يقوم الإنسان بتحليل الحرام أو تحريم الحلال حتّى مع القسم، فإنّ الحنث جائز في مثل هذه الموارد. نعم، إذا كان مورد القسم من المباحات التي يكره عملها أو الأولى تركها، يجب الإلتزام بالقسم حينئذ. ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ﴾ عمم الخطاب بالتهديد زجرا لغيرهما من الأزواج عن مثل فعلهما ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ مقرات أو منقادات ﴿مُّؤْمِنَاتٍ﴾ مصدقات أو مخلصات ﴿قَانِتَاتٍ﴾ مطيعات أو خاضعات ﴿تَائِبَاتٍ﴾ عن الذنوب ﴿عَابِدَاتٍ﴾ لله أو متذللات للنبي ﴿سَائِحَاتٍ﴾ صائمات أو مهاجرات ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ وسط الواو لتنافيهما بخلاف السابقات لإمكان اجتماعهما.