التّفسير:
قوا أنفسكم وأهليكم النار:
تخاطب الآيات السابقة جميع المؤمنين، وترسم لهم المنهج الصالح لتربية الزوجات والأولاد والاُسرة بشكل عامّ، فهي تقول أوّلا: (ياأيّها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة).
وذلك بحفظ النفس من الذنوب وعدم الإستسلام للشهوات والأهواء، وحفظ العائلة من الإنحراف بالتعليم والتربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهيئة الأجواء الصالحة والمحيط الطاهر من كلّ رذيلة ونقص.
وينبغي مراعاة هذا البرنامج الإلهي منذ اللحظات الاُولى لبناء العائلة، أي منذ أوّل مقدّمات الزواج، ثمّ مع أوّل لحظة لولادة الأولاد، ويراعى ويلاحظ بدقّة حتّى النهاية.
وبعبارة اُخرى: إنّ حقوق الزوجة والأولاد لا تقتصر على توفير المسكن والمأكل، بل الأهمّ تربية نفوسهم وتغذيتها بالاُصول والتعاليم الإسلامية وتنشئتها نشأة تربوية صحيحة.
والتعبير بـ "قوا" إشارة إلى أنّ ترك الأطفال والزوجات دون أيّة متابعة أو إرشاد سيؤدّي إلى هلاكهم ودخولهم النار شئنا أم أبينا.
لذا عليكم أن تقوهم وتحذّروهم من ذلك.
"الوقود" هو المادّة القابلة للإشتعال مثل (الحطب) وهو بمعنى المعطي لشرارة النار كالكبريت - مثلا - فإنّ العرب يطلقون عليه (الزناد).
وبناءً على هذا فإنّ نار جهنّم ليس كنيران هذا العالم، لأنّها تشتعل من داخل البشر أنفسهم ومن داخل الصخور وليس فقط صخور الكبريت التي أشار إليها بعض المفسّرين، فإنّ لفظ الآية مطلق يشمل جميع أنواع الصخور.
وقد اتّضح في هذا العصر أنّ كلّ قطعة من الصخور تحتوي على مليارات المليارات من الذرّات التي إذا ما تحرّرت الطاقة الكافية فيها فسينتج عن ذلك نار هائلة يصعب على الإنسان تصوّرها.
وقال بعض المفسّرين: إنّ "الحجارة" عبارة عن تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها.
ويضيف القرآن قائلا: (عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).
وبهذا لا يبقى طريق للخلاص والهروب، ولن يؤثّر البكاء والإلتماس والجزع والفزع.
ومن الواضح أنّ أصحاب الأعمال والمكلّفين بتنفيذها، ينبغي أن تكون معنوياتهم وروحيّتهم تنسجم مع تلك المهام المكلّفين بتنفيذها.
ولهذا يجب أن يتّصف مسؤولو العذاب والمشرفون عليه بالغلظة والخشونة، لأنّ جهنّم ليست مكاناً للرحمة والشفقة، وإنّما هي مكان الغضب الإلهي ومحلّ النقمة والسخط الإلهيين. ولكن هذه الغلظة والخشونة لا تخرج هؤلاء عن حدّ العدالة والأوامر الإلهية. إنّما: (يفعلون ما يؤمرون) دون أيّة زيادة أو نقصان.
وتساءل بعض المفسّرين حول تعبير (لا يعصون) الذي ينسجم مع القول بعدم وجود تكليف يوم القيامة.
ولكن يجب الإنتباه إلى أنّ الطاعة وعدم العصيان من الاُمور التكوينية لدى الملائكة لا التشريعية.
بتعبير آخر: إنّ الملائكة مجبولون على الطاعة غير مختارين، إذ لا رغبة ولا ميل لهم إلى سواها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ﴾ بالحمل على الطاعات والكف عن المعاصي ﴿نَارًا وَقُودُهَا﴾ حطبها ﴿النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ أصنامهم أو حجارة الكبريت ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ﴾ خزنتها الزبانية ﴿غِلَاظٌ شِدَادٌ﴾ في الأجرام أو الأفعال لا يرحمون أهلها ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ تصريح بما علم ضمنا للتأكيد.