ومن أجل أن يعطي الله تعالى درساً عملياً حيّاً إلى زوجات الرّسول الأعظم(ص) عاد مرّة اُخرى يذكر بالعاقبة السيّئة لزوجتين غير تقيتين من زوجات نبيين عظيمين من أنبياء الله، وكذلك يذكر بالعاقبة الحسنة والمصير الرائع لامرأتين مؤمنتين مضحيّتين كانتا في بيتين من بيوت الجبابرة، حيث يقول أوّلا: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما، فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين)(137).
وبناءً على هذا فإنّ القرآن يحذّر زوجتي الرّسول اللتين اشتركتا في إذاعة سرّه، بأنّكما سوف لن تنجوا من العذاب لمجرّد كونكما من أزواج النبي كما فعلت زوجتا نوح ولوط فواجهتا العذاب الإلهي.
كما تتضمّن الآيات الشريفة تحذيراً لكلّ المؤمنين بأنّ القرب من أولياء الله والإنتساب إليهم لا يكفي لمنع نزول عذاب الله ومجازاته.
وورد في كلمات بعض المفسّرين أنّ زوجة نوح كانت تدعى "والهة" وزوجة لوط "والعة"(138) بينما ذكر آخرون عكس ذلك أي أنّ زوجة لوط اسمها (والهة) وزوجة نوح اسمها (والعة)(139).
وعلى أيّة حال فإنّ هاتين المرأتين خانتا نبيّين عظيمين من أنبياء الله.
والخيانة هنا لا تعني الإنحراف عن جادّة العفّة والنجابة، لأنّهما زوجتا نبيّين ولا يمكن أن تخون زوجة نبي بهذا المعنى للخيانة، فقد جاء عن الرّسول(ص): "ما بغت امرأة نبي قطّ".
كانت خيانة زوجة لوط هي أن أفشت أسرار هذا النبي العظيم إلى أعدائه، وكذلك كانت زوجة نوح (ع).
وذهب الراغب في "المفردات" إلى أنّ للخيانة والنفاق معنىً واحداً وحقيقة واحدة، ولكن الخيانة تأتي في مقابل العهد والأمانة، والنفاق يأتي في الاُمور الدينية وما تقدّم من سبب النزول ومشابهته لقصّة هاتين المرأتين توجب كون المقصود من الخيانة هنا هو نفس هذا المعنى.
وعلى كلّ حال فإنّ الآية السابقة تبدّد أحلام الذين يرتكبون ما شاء لهم أن يرتكبوا من الذنوب ويعتقدون أنّ مجرّد قربهم من أحد العظماء كاف لتخليصهم من عذاب الله، ومن أجل أن لا يظنّ أحد أنّه ناج من العذاب لقربه من أحد الأولياء، جاء في نهاية الآية السابقة: (فلم يغنينا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين).
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ﴾ مثل حالهم في أن الوصلة بينهم وبين النبي والمؤمنين لا تدفع عنهم عقوبة كفرهم بحال الامرأتين ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ بنفاقهما وتظاهرهما عليهما ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا﴾ الرسولان ﴿عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ﴾ من عذابه ﴿شَيْئًا وَقِيلَ﴾ لهما ﴿ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ من الكفار فلا يستبعد النفاق والكفر من أزواج الأنبياء.