ثمّ يشير تعالى في الآية اللاحقة إلى أنّ الكافرين ليس لهم أي عون أو مدد مقابل قدرة الله عزّوجلّ حيث يقول: (أمّن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن)(163).
إنّ هؤلاء الذين هم (جند لكم) ليسوا عاجزين عن مساعدتكم ونصرتكم فحسب، بل إذا شاء الرحمن جعلها سبب عذابكم ودماركم، وحتّى هذه النعم المسخّرة لسعادتكم كالماء والهواء والتراب والنار والتي تمثّل ركناً أساسياً من أركان حياتكم لا يمكنها أن تنقذكم من البلاء، بل إنّها نفسها إذا اُمرت فإنّها ستكون موضع عذابكم وموتكم ونقمة عليكم.
نعم لقد كانت هذه النعم سبباً لهلاك ودمار كثير من الأقوام العاصين ويحدّثنا التاريخ أنّ الكثير من الجبابرة والطغاة والمتمرّدين على أوامر الله كان هلاكهم على يد أقرب الناس إليهم، وهذا ما يلاحظ كذلك في عصرنا أيضاً، حيث أنّ أكثر المجاميع وفاءً للسلطة تثور ضدّهم وينتقم الله من هؤلاء الظالمين بالظالمين الذين كانوا عوناً لهم.
ألا (إنّ الكافرون إلاّ في غرور) فلقد أعمت عقولهم حجب الجهل والغرور، ولا يعتبرون أو يتّعظون بما حصل للأقوام البائدة السابقة، ولا لما يصيب الآخرين في حياتنا المعاصرة.
"جند" في الأصل بمعنى الأرض غير المستوية والقويّة، والتي تتجمّع فيها الصخور الكثيرة، ولهذا السبب فإنّ هذه الكلمة (جند) تطلق على العدد الكثير من الجيش.
وقد اعتبر بعض المفسّرين كلمة (جند) في الآية - مورد البحث - إشارة إلى الأصنام، التي لا تستطيع مطلقاً تقديم العون للمشركين في يوم القيامة، إلاّ أنّ للآية في الظاهر مفهوماً واسعاً والأصنام أحد مصاديقها.
﴿أَمَّنْ﴾ مبتدأ ﴿هَذَا﴾ خبره ﴿الَّذِي﴾ صفة هذا والصلة ﴿هُوَ جُندٌ لَّكُمْ﴾ أي أعوان ﴿يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ﴾ يمنعكم من عذابه ﴿إِنِ الْكَافِرُونَ﴾ ما هم ﴿ ِلَّا فِي غُرُورٍ﴾ يغرهم الشيطان أن العذاب لا ينزل ولو نزل لدفعته أصنامهم.