التّفسير:
السائر سويّاً على جادّة التوحيد:
تعقيباً لما ورد في الآيات السابقة بالنسبة إلى الكافرين والمؤمنين، فإنّ الله تعالى يصوّر لنا - في أوّل آية من هذه الآيات - حالة هاتين المجموعتين ضمن تصوير رائع ولطيف، حيث يقول تعالى: (أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمّن يمشي سويّاً على صراط مستقيم).
فهنا شبه المعاندين والمغرورين كمن يسير في جادّة متعرّجة غير مستوية كثيرة المنعطفات وقد وقع على وجهه، يحرّك يديه ورجليه للإهتداء إلى سبيله، لأنّه لا يبصر طريقه جيّداً، وليس بقادر على السيطرة على نفسه، ولا بمطّلع على العقبات والموانع، وليست لديه القوّة للسير سريعاً، وبذلك يتعثّر في سيره... يمشي قليلا ثمّ يتوقّف حائراً.
كما شبّه المؤمنين برجال منتصبي القامات، يسيرون في جادّة مستوية ومستقيمة ليس فيها تعرّجات واعوجاج، ويمشون فيها بسرعة ووضوح وقدرة ووعي وعلم وراحة تامّة.
إنّه - حقّاً - لتشبيه لطيف فذّ، حيث إنّ آثار هذين السبيلين واضحة تماماً، وإنعكاساتها جليّة في حياة هذين الفريقين، وذلك ما نلاحظه بأُمّ أعيننا.
ويرى البعض أنّ مصداق هاتين المجموعتين هما: (الرّسول الأكرم) و (أبو جهل) فهما مصاديق واضحة للآية الكريمة، إلاّ أنّ ذلك لا يحدّد عمومية الآية.
وذكرت إحتمالات متعدّدة في تفسير (مكبّاً على وجهه).
إلاّ أنّ أكثر الإحتمالات المنسجمة مع المفهوم اللغوي للآية هو ما ذكرناه أعلاه، وهو أنّ الإنسان غير المؤمن يكون مكبّاً على وجهه ويمشي زاحفاً بيده ورجليه وصدره.
وقيل أنّ المقصود من (مكبّاً) هو المشي الإعتيادي ولكنّه مطأطيء الرأس لا يشخّص مسيره بوضوح أبداً.
كما يرى آخرون أنّ المقصود بـ (مكبّاً) هو الشخص الذي لا يستطيع أن يحفظ توازنه في السير، فهو يخطو خطوات معدودة ثمّ ما يلبث أن يسقط على الأرض وينهض ليمشي، ثمّ تتكرّر هذه الحالة.
ويستفاد ممّا ذكره الراغب في مفرداته أنّ المقصود بـ (مكبّاً) هو الشخص الذي يدور حول محور الذات والأنانية، معرضاً عن الإهتمام بغيره.
إلاّ أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر، وذلك بقرينة المقابلة مع وضع المؤمنين والذين عبّرت عنهم الآية بـ (سويّاً).
وعلى كلّ حال، فهل أنّ هذه الحالة (مكبّاً) و (سويّاً) تمثّل وضع الكفّار والمؤمنين في الآخرة فقط؟ أم في العالمين (الدنيا والآخرة)؟ لا دليل على محدودية مفهوم الآية وإنحصارها في الآخرة، فهما في الدنيا كما هما في الآخرة.
إنّ هؤلاء الأنانيين المنشدّين إلى مصالحهم الماديّة والمنغمسين في شهواتهم، السائرين في درب الضلال والهوى، كمن يروم العبور من مكان مليء بالأحجار زاحفاً على صدره، بخلاف من تحرّر من قيد الهوى في ظلّ الإيمان حيث يكون مسيره واضحاً ومستقيماً ونظراته عميقة وثاقبة.
﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ﴾ عاثرا خارا عليه ﴿أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا﴾ معتدلا ﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.