لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ويقول تعالى في آخر آية، عارضاً لمصداق من رحمته الواسعة، والتي غفل عنها الكثير من الناس: (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين). إنّ للأرض في الحقيقة قشرتين متفاوتتين: (قشرة قابلة للنفوذ) يدخل فيها الماء، واُخرى (غير قابلة للنفوذ) تحفظ بالماء، وجميع العيون والآبار والقنوات تولّدت من بركات هذا التركيب الخاصّ للأرض، إذ لو كانت القشرة القابلة للنفوذ لوحدها على سطح الكرة الأرضية جميعاً ولأعماق بعيدة، فإنّ جميع المياه التي تدخل جوف الأرض لا يقرّ لها قرار، وعندئذ لا يمكن أن يحصل أحد على قليل من الماء. ولو كانت قشرة الأرض غير قابلة للنفوذ لتجمّعت المياه على سطحها وتحوّلت إلى مستنقع كبير، أو أنّ المياه التي تكون على سطحها سرعان ما تصبّ في البحر، وهكذا يتمّ فقدان جميع الذخائر التي هي تحت الأرض. إنّ هذا نموذج صغير من رحمة الله الواسعة يتعلّق بموت الإنسان وحياته. "معين" من مادّة (معن)، على وزن (طعن) بمعنى جريان الماء. وقال آخرون: إنّها مأخوذة من (عين) والميم زائدة. لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّ معنى (معين) تعني الماء الذي يشاهد بالعين بغضّ النظر عن جريانه. إلاّ أنّ الغالبية فسّروه بالماء الجاري. وبالرغم من أنّ الماء الصالح للشرب لا ينحصر بالماء الجاري، إلاّ أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الماء الجاري يمثّل أفضل أنواع ماء الشرب، سواء كان من العيون أو الأنهار أو القنوات أو الآبار المتدفّقة... ونقل بعض المفسّرين أنّ أحد الكفّار عندما سمع قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين) قال: (رجال شداد ومعاول حداد) وعند نومه ليلا نزل الماء الأسود في عينيه، وفي هذه الأثناء سمع من يقول: إأتي بالرجال الشداد والمعاول الحداد ليخرجوا الماء من عينيك. ومن الواضح أنّه في حالة عدم وجود القشرة الصلبة وغير القابلة للنفوذ، فإنّه لا يستطيع أي إنسان قوي ولا أي معول حادّ أن يستخرج شيئاً من الماء(171). تعقيب جاء في الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ المراد من الآية الأخيرة من هذه السورة هو ظهور الإمام المهدي (ع) وعدله الذي سيعمّ العالم. فقد جاء في حديث عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: "نزلت في الإمام القائم(ع)، يقول: إن أصبح إمامكم غائباً عنكم، لا تدرون أين هو؟ فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السموات والأرض، وحلال الله وحرامه؟ ثمّ قال: والله ما جاء تأويل هذه الآية، ولابدّ أن يجيء تأويلها"(172). والروايات في هذا المجال كثيرة، وممّا يجدر الإنتباه له أنّ هذه الروايات هي من باب (التطبيق). وبعبارة اُخرى فإنّ ظاهر الآية مرتبط بالماء الجاري، والذي هو علّة حياة الموجودات الحيّة. أمّا باطن الآية فإنّه يرتبط بوجود الإمام (ع) وعلمه وعدالته التي تشمل العالم، والتي هي الاُخرى تكون سبباً لحياة وسعادة المجتمع الإنساني. ولقد ذكرنا مرّات عدّة أنّ للآيات القرآنية معاني متعدّدة، حيث لها معنى باطن وظاهر، إلاّ أنّ فهم باطن الآيات غير ممكن إلاّ للرسول والإمام المعصوم، ولا يحقّ لأي أحد أن يطرح تفسيراً ما لباطن الآيات. وما نستعرضه هنا مرتبط بظاهر الآيات، أمّا ما يرتبط بباطن الآيات فعلينا أن نأخذه من المعصومين (عليهم السلام) فقط. لقد بدأت سورة الملك بحاكمية الله ومالكيته تعالى، وانتهت برحمانيته، والتي هي الاُخرى فرع من حاكميته ومالكيته سبحانه، وبهذا فإنّ بدايتها ونهايتها منسجمتان تماماً. اللهمّ، أدخلنا في رحمتك العامّة والخاصّة، وأرو ظمأنا من كوثر ولاية أولياءك. ربّنا، عجّل لنا ظهور عين ماء الحياة الإمام المهدي، واطفيء عطشنا بنور جماله ... ربّنا، ارزقنا اُذناً صاغية وعيناً بصيرة وعقلا كاملا، فاقشع عن قلوبنا حجب الأنانية والغرور لنرى الحقائق كما هي، ونسلك إليك على الصراط المستقيم بخطوات محكمة وقامة منتصبة ... آمين ربّ العالمين نهاية سورة الملك ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا﴾ غائرا في الأرض ﴿فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾ جار أو ظاهر يسهل أخذه.