وتعرض الآية اللاحقة وصفاً آخر لرسول الله (ص) وذلك بقوله تعالى: (وإنّك لعلى خُلُق عظيم).
تلك الأخلاق التي لا نظير لها، ويحار العقل في سموّها وعظمتها من صفاء لا يوصف، ولطف منقطع النظير، وصبر وإستقامة وتحمّل لا مثيل لها، وتجسيد لمبادىء الخير حيث يبدأ بنفسه أوّلا فيما يدعو إليه، ثمّ يطلب من الناس العمل بما دعا إليه والإلتزام به.
عندما دعوت - يارسول الله - الناس لعبادة الله، فقد كنت أعبد الناس جميعاً، وإذ نهيتهم عن سوء أو منكر فإنّك الممتنع عنه قبل الجميع، تقابل الأذى بالنصح، والإساءة بالصفح، والتضرّع إلى الله بهدايتهم، وهم يؤلمون بدنك الطاهر رمياً بالحجارة، واستهزاءاً بالرسالة، وتقابل وضعهم للرماد الحارّ على رأسك الشريف بدعائك لهم بالرشد.
نعم لقد كنت مركزاً للحبّ ومنبعاً للعطف ومنهلا للرحمة، فما أعظم أخلاقك؟
"خُلُق" من مادّة (الخلقة) بمعنى الصفات التي لا تنفكّ عن الإنسان، وهي ملازمة له، كخلقة الإنسان.
وفسّر البعض الخُلُق العظيم للنبي بـ (الصبر في طريق الحقّ، وكثرة البذل والعطاء، وتدبير الاُمور، والرفق والمداراة، وتحمّل الصعاب في مسير الدعوة الإلهية، والعفو عن المتجاوزين، والجهاد في سبيل الله، وترك الحسد والبغض والغلّ والحرص...، وبالرغم من أنّ جميع هذه الصفات كانت متجسّدة في رسول الله (ص) إلاّ أنّ الخُلُق العظيم له لم ينحصر بهذه الاُمور فحسب، بل أشمل منها جميعاً.
وفسّر الخُلُق العظيم أيضاً بـ (القرآن الكريم) أو (مبدأ الإسلام) ومن الممكن أن تكون الموارد السابقة من مصاديق المفهوم الواسع للآية أعلاه.
وعلى كلّ حال فإنّ تأصّل هذا (الخُلُق العظيم) في شخصية الرّسول (ص) هو دليل واضح على رجاحة العقل وغزارة العلم له ونفي جميع التّهم التي تنسب من قبل الأعداء إليه.
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ لا يماثله خلق في الحسن.