لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وبما أن لكل حكم استثناءً، لرفع المشكلات والضرورات بشكل معقول عن طريقه، تقول آخر آية موضع البحث: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم). وتضيف في الختام (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون). ولعل ذلك إشارة إلى استغلال البعض هذه الإستثناءات، فيتذرّع بأنّ المنزل غير مسكون فيدخله بهدف الكشف عن بعض الأسرار، أو الدخول إلى منازل مسكونة متذرعاً بعدم علمه بأنّها مسكونة، إلاّ أنّ الله يعلم بكلّ هذه الأعمال، ويعلم الذين يسيئون الإستفادة من هذا الإستثناء. بحوث 1 - الأمن والحرية في حريم المنزل لا ريب في أن لوجود الإنسان بعدين: بعد فردي، وآخر إجتماعي، ولهذا فله نوعان من الحياة: حياة خاصّة، وأخرى عامّة. ولكل واحدة خصائصها وآدابها، حيث يضطر الإنسان في البيئة الإجتماعية إلى تحمل قيود كثيرة من حيث اللباس والحركة، ومواصلة الإنسان حياته على هذا النسق وحده - خلال الأربع والعشرين ساعة - مُتعب ويبعث على الضجر، إذ أنّه يرغب في أن يكون حراً خلال فترة من الليل والنهار ليستريح بعيداً عن هذه القيود، مع أسرته وبين أولاده، لهذا يلجأ إلى منزله الخاص به، وينعزل بذلك عن المجتمع بشكل مؤقت، ليتخلص من قيوده، فيجب أن يكون محيط المنزل آمناً إلى حدٍّ كاف. وأمّا إذا أراد كلّ عابر الدخول إلى منازل الآخرين، فلا تبقى حرمة لمنازل الناس، ويسلب منها أمنها وحريتها، وبهذا تتحول إلى بيئة عامّة كالسوق والشارع. ولهذا السبب كانت بين الناس - على مرّ العصور - أعراف خاصّة في هذا المجال. حتى أن جميع قوانين العالم تمنع الدخول إلى منازل الآخرين دون استئذان وتعاقب عليه، وحتى في حالات الضرورة القصوى ولغرض حفظ الأمن وغايات أخرى أجيز عدد قليل على وفق القانون بالدخول إليها. ونصّت الأحكام الإسلامية على تعاليم وآداب خاصّة في هذا المجال، لا يشاهد نظيرها إلاّ نادراً. نقرأ في حديث أن الصحابي الجليل أبا سعيد الخدري استأذن على الرّسول(ص) وهو مستقبل الباب فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تستأذن وأنت مستقبل الباب".(1) وجاء في حديث آخر أن النّبي(ص) كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب. من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول: السلام عليكم، وذلك لأنّ الدور لم يكن عليها حينئذ ستور. وجاء في الأحاديث الإسلامية ضرورة استئذان المرء حين دخوله إلى منزل والده أو والدته، وحتى حين الدخول إلى منزل ولده.(2) وجاء في حديث عن الرّسول(ص) جواباً على استفسار رجل: قال: أستأذن على اُمي؟ أجاب(ص): نعم. قال: إنّها ليس لها خادم خادم غيري أفأستاذن عليها كلما دخلت؟ قال(ص): أتحب أن تراها عريانه؟ قال الرجل لا، فقال(ص): فاستأذن عليها(3). وجاء في حديث آخر عن الامام الباقر(ع) عن جابر بن عبد اللّه الانصاري قال: "خرج رسول اللّه(ص) يريد فاطمة(عليها السلام) وأنا معه فلما انتهينا إلى الباب وضع يده فدفعه ثمّ قال: السلام عليكم، فقالت: فاطمة(عليها السلام): عليك السلام يا رسول اللّه، قال: أدخل؟ قالت: اُدخل يارسول اللّه، قال(ص):أدخل ومن معي؟ قالت: يارسول اللّه ليس عليّ قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ففعلت، ثمّ قال: السلام عليكم، فقالت: وعليك السلام يارسول اللّه، قال أدخل قالت: نعم يار سول اللّه، قال أنا ومن معي؟ قالت: ومن معك، قال جابر: فدخل رسول اللّه(ص) فدخلت..."(4) وهذا الحديث يبيّن لنا كيف كان النبي(ص) وهو القدوة للمسلمين كافة، يراعي هذه الأُمور بدقة، وحتى جاء في حديث. عن أبي عبدالله الصادق(ع) قال: "الاستيذان ثلاثة: أوّلهنّ يسمعون، والثّانية يحذرون، والثّالثة إن شاؤوا أذنوا وإن شاؤوا لم يفعلوا فيرجع المستأذن".(5) ويرى بعض المفسّرين ضرورة وجود فواصل زمنية بين كل استئذان وآخر، إذ قد يكون صاحب المنزل لم يتهيأ - بعد - بلباس مناسب، أو يريد تغيير هيئة أو إعداد منزله، فيجب إعطاءه فرصةً ليعدّ نفسه ومنزله لاستقبال ضيفه، وعلى الضيف الإنصراف دون انزعاج أو توتُّر إن لم يُسمح له بالدخول. 2 - ما المقصود بالبيوت غيرالمسكونة؟ في معرض الإجابة على هذا السؤال لابدّ من الإشارة إلى اختلاف المفسّرين في ذلك، فقد قال البعض: يقصد بها المباني التي لا يسكنها شخص معين، وهي لعموم الناس، كالمنازل العامّة في الطرق البرية والفنادق والحمامات العامّة وأمثالها. وقدجاء هذا المعنى بصراحة في حديث للإمام الصادق(ع) (6). وفسّر البعض ذلك بالخرائب التي ليست لها جدران ولا أبواب، يدخلها من يشاء، غير أنّ هذا التّفسير يبدو بعيداً جداً عن الصواب، فلا أحد يضع متاعه في هذه المنازل. وقال آخرون: إنّها إشارة إلى مخازن التجار وحوانيتهم، التي احتوت على متاع الناس أمانةً لديهم لغرض البيع، ويمكن لكلّ صاحب متاع الدخول إلى هذا المخزن ليأخذ متاعه، وهذا التّفسير أيضاً يبدو غير منسجم مع ما قصدته الآية. كما يحتمل أنّها قصدت المنازل التي ليس فيها أحد، ويضع المرء متاعه فيها أمانةً بعد علمه برضا صاحبها ضمناً في حراستها ورفعها عند الحاجة. وبعض هذه التفاسير لا يتناقض مع غيره، إلاّ أنَّ التّفسير الأوّل ينسجم انسجاماً أفضل مع معنى الآية وقصدها، ويتّضح بذلك أنَّه لا يجوز لشخص له متاع في منزل أن يدخل المنزل دون استئذان من صاحبه حتى لو لم يكن في البيت أحد حينذاك. 3 - عقاب من يتلصّص على منازل الناس: جاء في كتب الفقه والحديث. إذا تلصّص شخص على داخل منزل وشاهد امرأة فيه لم تتحجب، فلاهل الدار أوّلا نهيهُ عن هذا العمل، وإن امتنع رموه بالحجارة. وإن عاود، فبامكانهم الدفاع عن أعراضهم بآلة جارحة، فلو قُتل هذا الشخص في هذه الحالة فدمه هدر ولا ديّة له. وطبيعي أنّه لابدّ من تتبع هذه الخطوات أوّلا بأول. أي: عليهم أوّلا إتباع السبيل اليسير لمنعه، ثمّ اتباع اُسلوب العنف. ﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ كالربط والحوانيت أي بغير استئذان ﴿فِيهَا مَتَاعٌ﴾ استمتاع ﴿لَّكُمْ﴾ كاستكنان ومعاملة ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ في دخولكم من إفساد وغيره.