التّفسير:
ياأهل المحشر: اقرؤا صحيفة أعمالي
قلنا في تفسير الآيات السابقة أنّ (نفخ الصور) يحدث مرّتين.
الاُولى: عندما يأمر تعالى بنهاية العالم وموت الأحياء وتلاشي الوجود.
والثانية: بحدوث العالم الجديد، عالم الآخرة حيث البعث والنشور ...، وكما ذكرنا فإنّ بداية الآيات تخبرنا عن النفخة الاُولى، ولم تستعرض تفاصيل النفخة الثانية.
واستمراراً للحديث في هذا الصدد، وخصوصيات العالم الجديد الذي سيكون عند النفخة الثانية، تحدّثنا هذه الآيات عن شيء من ذلك حيث يقول تعالى: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).
"تعرضون" من مادّة (عرض) بمعنى عرض شيء معيّن، بضاعة أو غيرها.
وممّا لا شكّ فيه أنّ جميع ما في الوجود - بشراً وغيره - هو بين يدي اللّه سبحانه، سواء في هذه الدنيا أو في عالم الآخرة، إلاّ أنّ هذا الأمر يظهر ويتّضح بصورة أشدّ في يوم القيامة، كما في مسألة حاكمية الله المطلقة والدائمة على عالم الوجود، حيث تتّضح في يوم القيامة أكثر من أي وقت آخر.
إنّ جملة: (تخفى منكم خافية) يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ الأسرار الخاصّة بالإنسان وما يحاول إخفاءه يتحوّل في ذلك اليوم إلى حالة من الظهور والوضوح كما يقول تعالى: (يوم تبلى السرائر)(244) في ذلك اليوم لن يقتصر الوضوح والظهور على أعمال البشر الخفيّة فحسب، بل على صفات وروحيات وأخلاقيات ونيّات الجميع فإنّها هي الاُخرى تبرز وتظهر، وهذا أمر عظيم جدّاً، بل إنّه أعظم من إنفجار الأجرام السماوية وتلاشي الجبال - كما يقول البعض - حيث الفضيحة الكبرى للطالحين، والعزّة والرفعة للمؤمنين بشكل لا نظير له، يوم يكون الإنسان عرياناً ليس من حيث الجسم فقط، بل أعماله وأسراره الخفية تكون على رؤوس الأشهاد، نعم لا يبقى أمر مخفي من وجودنا وكياننا أجمع في ذلك اليوم العظيم.
ويمكن أن يكون المراد هو الإشارة للإحاطة العلمية لله تعالى بجميع المخلوقات، ولكن التّفسير الأوّل أنسب.
﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ﴾ للحساب ﴿لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ على الله.