لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتناولت الآية التالية شرح واجبات النساء في هذا المجال، فأشارت أوّلا إلى الواجبات التي تشابه ما على الرجال، فتقول: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن). وبهذا حرم الله النظر بريبة على النساء أيضاً مثلما حرّمه على الرجال، وفرض تغطيه فروجهن عن أنظار الرجال والنساء مثلما جعل ذلك واجباً على الرجال. ثمّ أشارت الآية إلى مسألة الحجاب في ثلاث جمل: 1 - (ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها). اختلف المفسّرون في تفسير الزينة التي تجب تغطيتها، والزينة الظاهرة التي يسمح باظهارها. فقال البعض: إنّ الزينة المخفية هي الزينة الطبيعية في المرأة (جمال جسم المرأة) في حين أن استخدام هذه الكلمة بهذا المعنى قليل. وقال آخرون: إنّها تعني موضع الزينة: لأن الكشف عن أداة الزينة ذاتها كالعضد والقلادة مسموح به، فالمنع يخصُ موضعها، أي اليدين والصدر مثلا. وقال آخرون: خصّ المنع أدوات الزينة عندما تكون على الجسم، وبالطبع يكون الكشف عن هذه الزينة مرادفاً للكشف عن ذلك الجزء من الجسم. (و هذين التّفسيرين الأخيرين لهما نتيجة واحدة على الرغم من متابعة القضية عن طريقين مختلفين). والحق أنّنا يجب أن نفسر الآية على حسب ظاهرها ودون حكم مسبّق، وظاهرها هو التّفسير الثّالث. وعلى هذا، فلا يحق للنساء الكشف عن زينتهن المخفية، وإن كانت لا تُظهر أجسامهن، أي لا يجوز لهن الكشف عن لباس يتزيّن به تحت اللباس العادي أو العباءة، بنصّ القرآن الذي نهاهنَّ عن ذلك. وذكرت الأحاديث التي رُويت عن أهل البيت(ع) هذا المعنى، فقد فسّروا الزينة المخفية بالقلادة والدملج (حلي يشدُّ أعلى الساعد) والخلخال(4). وقد فسّرت أحاديث عديدةُ أُخرى الزينة الظاهرة بالخاتم والكحل وأمثاله، لهذا نفهم بأنّ المراد من الزينة المخفية الزينة التي تحت الحجاب (فتأملوا جيداً). 2 - وثاني حكم ذكرته الآية هو: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) وكلمة "خُمُر" جمع "خِمار" على وزن "حجاب" في الأصل تعني "الغطاء"، إلاّ أنّه يطلق بصورة اعتيادية على الشيء الذي تستخدمه النسوة لتغطية رُؤوسهن. و"الجيوب" جمع "جيب" على وزن "غيب" بمعنى ياقة القميص، وأحياناً يطلق على الجزء الذي يحيط بأعلى الصدر لمجاورته الياقة. ويستنتج من هذه الآية أنّ النساء كنّ قبل نزولها، يرمين أطراف الخمار على أكتافهن أو خلف الرأس بشكل يكشفن فيه عن الرقبة وجانباً من الصدر، فأمرهن القرآن برمي أطراف الخمار حول أعناقهن أي فوق ياقة القميص ليسترن بذلك الرقبة والجزء المكشوف من الصدر. (ويستنتج هذا المعنى أيضاً عن سبب نزول الآية الذي ذكرناه آنفاً). 3 - وتشرح الآية في حكمها الثّالث الحالات التي يجوز للنساء فيها الكشف عن حجابهنّ وإظهار زينتهنّ، فتقول (ولا يبدين زينتهن إلاّ). 1 - (لبعولتهن). 2 - (أو آبائهن). 3 - (أو آباء بعولتهن). 4 - (أو أبنائهن). 5 - (أو أبناء بعولتهن). 6 - (أو إخوانهن). 7 - (أو بني إخوانهن). 8 - (أو بني أخواتهن). 9 - (أو نسائهن). 10 - (أو ما ملكت أيمانهن). 11 - (أو التابعين غير أولي الإِربة من الرجال) أي الرجال الذين لا رغبة جنسية عندهم أصلا بالعنن أو بمرض غيره. 12 - (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء). 4 - وتبيّن الآية رابع الأحكام فتقول (ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ) أي على النساء أن يتحفّظن كثيراً، ويحفظن عفّتهنّ، ويبتعدن عن كلّ شيء يثير نار الشهوة في قلوب الرجال، حتى لا يتهمن بالإِنحراف عن طريق العفة. ويجب أن يراقبن تصرفهن بشدّة بحيث لا يصل صوت خلخالهن إلى آذان غير المحارم، وهذا كله يؤكّد دقّة نظر الإسلام إلى هذه الأُمور. وإنتهت الآية بدعوة جميع المؤمنين رجالا ونساءً إلى التوبة والعودة إلى الله ليفلحوا (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) وتوبوا أيّها الناس ممّا ارتكبتم من ذنوب في هذا المجال، بعدما اطلعتم على حقائق الأحكام الإسلامية، وعودوا إلى الله لتفلحوا، فلا نجاة لكم من كلّ الإنحرافات الخطرة إلاّ بلطف من الله ورحمته، فسلّموا أمركم إليه! صحيح أنّه لا معنى للذنوب والمعاصي - في هذه المسألة - قبل نزول هذه الأحكام من الله، إلاّ أنّنا نعلم بأنّ قسماً من المسائل الخاصّة بالإنحطاط الخلقي ذا جانب عقلاني وكما في الإصطلاح أنها من "المستقلات العقلية" ويكفي لوحده في تحديد المسؤولية. بحوث 1 - فلسفة الحجاب ممّا لا شكّ فيه أنّ الحديث عن الحجاب للمتغربين في عصرنا الذي سمّوه بعصر التعري والحرية الجنسية، ليس حديثاً سارّاً حيث يتصوّرونه أُسطوره يعود لعصور خلت. إلاّ أنّ الفساد الذي لا حدّ له، والمشاكل المتزايدة والناتجة عن هذه الحريّات التي لا قيد لها ولاحدود، أدى بالتدريج إلى ايجاد الأُذن الصاغية لهذا الحديث. وقد تمّ حلّ كثير من القضايا في بيئات إسلامية ودينية أُخرى، خاصّة في أجواء إيران بعد الثورة الإسلامية، وأُجيب عن الكثير من هذه الأسئلة بشكل مقنع. ومع كل هذا تستوجب أهمية الموضوع بحث هذه القضية بحثاً واسعاً وعميقاً. والقضية المطروحة (نقولها مع الإعتذار): هل من الصحيح أن تُستغل النساء للتلذّذ من جانب الرجال عن طريق السمع والنظر واللمس (باستثناء المجامعة) وأن يَكُنْ تحت تصرف جميع الرجال، أو أن تكون هذه الأُمور خاصّة لأزواجهنّ؟ إنّ النقاش يدور حول هذا السؤال: هل يجب بقاء النساء في سباق لا نهاية له في عرض أجسامهنّ، وتحريك شهوات وأهواء الرجال؟ أو يجب تصفية هذه الأُمور من أجواء المجتمع، وتخصيصها بالأُسرة والحياة الزوجية؟! الإسلام يساند الأسلوب الثّاني. ويعتبر الحجاب جزءاً من هذا الأُسلوب، في الوقت الذي يساند فيه الغربيون والمتغربون الشهوانيون الأُسلوب الأوّل! يقول الإسلام: إنَّ الأُمور الجنسية سواءً كانت مجامعة أو استلذاذاً عن طريق السمع أو البصر أو اللمس خاصّ بالأزواج، ومحرّم على غيرهم، لأنّ ذلك يؤدّي إلى تلويث المجتمع وانحطاطه، وعبارة (ذلك أزكى لكم) التي جاءت في الآية السابقة تشير إلى هذه المسألة. إنّ فلسفة الحجاب ليست خافية على أحد للأسباب التالية: 1 - إنّ تعري النساء وما يرافقه من تجميل وتدلل - وما شاكل ذلك - يحرك الرجال - خاصّة الشباب - ويحطّم أعصابهم، وتراهم قد غلب عليهم الهياج العصبي، وأحياناً يكون ذلك مصدراً للأمراض النفسية، فأعصاب الإنسان محدودة التحمّل، ولا تتمكن من الإِستمرار في حالة الهيجان؟ ألم يقل أطباء علم النفس بأنّ هذه الحالة من الهيجان المستمر سبب للأمراض النفسية؟ خاصّة إذا لاحظنا أنّ الغريزة الجنسية، أقوى الغرائز في الإنسان وأكثرها عمقاً، وكانت عبر التاريخ السبب في أحداث دامية وإجرامية مرعبة، حتى قيل: إنّ وراء كلّ حادثة مهمّة امرأة! أليس إثارة الغرائز الجنسية لعباً بالنار؟ وهل هذا العمل عقلاني؟ الإسلام يريد للرجال والنساء المسلمين نفساً مطمئنة وأعصاباً سليمة ونظراً وسماعاً طاهرين، وهذه واحدة من فلسفات الحجاب. 2 - تبيّن إحصاءات موثقة ارتفاع نسب الطلاق وتفكّك الأُسرة في العالم، بسبب زيادة التعرّي، لأنّ الناس أتباع الهوى غالباً، وهكذا يتحوّل حبّ الرجل من امرأة إلى أخرى، كلّ يوم، بل كل ساعة. أمّا في البيئة التي يسودها الحجاب (والتعاليم الإسلامية الأُخرى) فالعلاقة وثيقة بين الزوج وزوجته، ومشاعرهما وحبهما مشترك. وأمّا في سوق التعري والحرية الجنسية، حيث المرأة سلعة تباع وتشترى، أو في أقل تقدير موضع نظر وسمع الرجال، عندها يفقد عقد الزواج حرمته، وتنهار أُسس الأُسر بسرعة كانهيار بيت العنكبوت، ويتحمل هذه المصيبة الأبناء بعد أن يفقدوا أولياءهم ويفقدوا حنان الأُسرة. 3 - انتشار الفحشاء وازدياد الأبناء غير الشرعين يعتبران من أنكى نتائج إلغاء الحجاب، ولا حاجة إلى إحصائية بهذا الصدد، فشواهدها ظاهرة في المجتمع الغربي، واضحة بدرجة لا تحتاج إلى بيان. لا نقول: إنّ السبب الرئيسي في إزدياد الفحشاء والأبناء غيرالشرعيين ينحصر في إلغاء الحجاب وعدم الستر، ولا نقول: إنَّ الإستعمار المشؤوم والقضايا السياسية المخربة ليس لها دور قوي فيه، بل نقول: إن التعري من الأسباب القوية لذلك. وكما نعلم فإن انتشار الفحشاء وازدياد الأبناء غير الشرعيين مصدر أنواع الجرائم في المجتمعات البشرية قديماً وحديثاً. وبهذا تتضح الأبعاد الخطرة لهذه القضية. وعندما نسمع أنّ الولادات غير الشرعية في بريطانيا بلغت بحسب إحصائياتهم خمسمائة ألف طفل كلّ عام، وأنّ علماءها حذّروا المسؤولين من مغبة هذا الوضع، ليس لأنّه - كما يقولون - بسبب مخالفته للقضايا الأخلاقية والدينية، وإنّما بسبب الخطر الذي أوجده هؤلاء الأبناء لأمن المجتمع، فقد وجدوا أنّهم يمثّلون القسم الأعظم من ملفات القضايا الخاصّة بالجرائم. ومن هنا ندرك أهمية هذه القضية، وأنّها كارثة حتى للذين لا يؤمنون بدين ولا يهتمون بأخلاق. وكلّما انتشر الفساد الجنسي في المجتمعات البشرية اتّسع التهديد لهذه المجتمعات وتعاظم الخطر عليها، وقد برهنت دراسات العلماء في التربية على ظهور الأعمال المنافية للعفة، وتفشّي الإهمال في العمل والتأخر، وعدم الشعور بالمسؤولية، في المدارس المختلطة والمنشئات التي يعمل فيها الرجال والنساء بشكل مختلط. 4 - قضية "ابتذال المرأة" وسقوط شخصيتها في المجتمع الغربي ذات أهمية كبيرة لا تحتاج إلى أرقام، فعندما يرغب المجتمع في تعري المرأة، فمن الطبيعي أن يتبعه طلبها لادوات التجميل والتظاهر الفاضح والإنحدار السلوكي، وتسقط شخصيّة المرأة في مجتمع يركز على جاذبيتها الجنسية، ليجعلها وسيلةً إعلاميّة يُروّج بها لبيع سلعة أو لكسب سائح. وهذا السقوط يفقدها كلّ قيمتها الإنسانية، إذ يصبح شبابها وجمالها وكأنّه المصدر الوحيد لفخرها وشرفها، حتى لا يبقى لها من إنسانيتها سوى أنّها أداةٌ لإتباع شهواتِ الآخرين، الوحوش الكاسرة في صور البشر! كيف يمكن للمرأة في هذا المجتمع أن تبرز علمياً وتسمو أخلاقياً؟! ومن المؤسف أن تلعب المرأة باسم الفن، وتشتهر وتكسب المال الوفير، وتنحطّ إلى حد الإبتذال في المجتمع، ليرحب بها مسيّرو هذا المجتمع المنحط خلقيّاً، في المهرجانات والحفلات الساهرة؟! هكذا حال المرأة في المجتمع الغربي، وقد كان مجتمعنا قبل انتصار الثورة الإسلامية كذلك، ونشكر الله على إنهاء تلك المظاهر المنحطة في بلادنا بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، فقد عادت المرأة إلى مكانتها السامية التي أرادها الله لها، وها هي ذي تمارس دوراً إيجابياً في المجتمع مع محافظتها على حجابها الإسلامي، حتى أنها ساهمت بشكل فعّال خلف جبهات الحرب بمختلف الأعمال لدعم الجبهة والجهاد في سبيل الله. وكان هذا جانباً من الفلسفة الحيوية لموضوع الحجاب في الإسلام. وهو ينسجم مع تفسيرنا. الإشكال الذي يورده معارضو الحجاب: نصل هنا إلى الإنتقادات التي يطرحها معارضو الحجاب، فنبحثها بشكل مضغوط: 1 - أهم الإنتقادات التي يذكرها معارضو الحجاب أنّ النساء يشكلن نصف المجتمع، والحجاب يجعلهنّ في معزل عن المجتمع، ويكون ذلك سبباً في تأخرهنّ الثقافي، وانعدام الإستفادة من هذه الطاقات العظيمة في ازدهار الإقتصاد. وإذا شغر مكانهنّ في المنشئات الثقافية والإجتماعية أصبحن موادَّ استهلاكيّة ليست بذات جدوى للمجتمع. إلاَّ أنّ هؤلاء المتمسّكين بهذا المنطق غفلوا عن عدّة أُمور، أو تغافلوا عنها، للأسباب التالية: - أوّلا: من الذي قال: إنَّ الحجاب الإسلامي يعزل المرأة عن المجتمع؟ لئن صعب علينا الجواب عن هذا السؤال في السابق، فما نظن أنّنا بعد قيام الجمهورية الإسلامية المباركة بحاجة إلى دليل على نهضةِ المرأة نهضة كريمةً ومشاركتها في تشييد المجتمع الإسلامي المنشود مشاركةً تحقق النفع للمرأة والأُسره والحكومة والأُمة، فهي مسؤولة في الدوائر والمصانع والمتاجر، وفي النشاط السياسي في المسيرات والمظاهرات، في الإذاعة والتلفزيون، وفي المراكز الصحيّة - خاصّة في معالجة جرحي الحرب - وفي المدارس والجامعات، حتّى في ساحة الحرب ومجاهدة العدو. وباختصار: إنّ الواقع الإجتماعي في بلدنا خير جواب عن هذا السؤال: وإذ كنّا نتحدث في السابق عن إمكانية حدوث ذلك، فإنّنا اليوم نراه ماثلا بين أعيننا. وكما يقول الفلاسفة: خير دليل على إمكان وجود الشيء حدوثه، ولا حاجة للبرهنة على وجود الواقع. ثانياً: إضافة إلى ذلك، ألا تُعتبر إدارة المنزل وتربية الأبناء الأصحّاء رجال المستقبل - الذين يديرون عجلة الإقتصاد والسياسة في البلاد - عملا؟ إن الذين لا يعدّون هذه المسؤولية للمرأة أمراً ايجابياً جاهلون بحقيقة دور المرأة في الأُسرة وفي التربية، وفي بناء مجتمع سليم فعّال، بل لا يعترفون إلاّ بمغادرة الرجال والنساء المنازل صباحاً - كالغربيين - ليلتحقوا بالدوائر والمصانع. ويجعلون أبناءهم تحت رعاية الآخرين، في دور الحضانة، أو يغلقوا عليهم المنازل ليعيشوا في معتقل دون رعاية، حتى يعود الوالدان من العمل وقد أرهقهما التعب! هؤلاء غافلون عن أنّ إفتقاد الأطفال للرعاية والعطف، يؤدي إلى تحطّم شخصيتهم ويعرض المجتمع إلى الخطر. 2 - كما يتذرع معارضو الحجاب بادعائهم بأنّه يعوق المرأة عن نشاطها الإجتماعي ولا ينسجم مع العصر الحديث، ويقولون: كيف تحفظ المرأة حجابها وطفلها وعملها في آن واحد؟! إنّهم غافلون عن أنّ الحجاب ليس العباءة ونحوها، بل هو غطاء الجسم، فإن تسنى للمرأة الإحتجاب بالعباءة فذلك حسن، وإلاّ كفاها غطاءُ الرأس واللباس المحتشم حجاباً. وقد لبّت نساؤنا الريفيات وخاصّة العاملات - في مزارع الرز المملوكة لعوائلهن - هذا اللباس، حيث يمارسن الحراثة والبذار والإهتمام بالزرع ثمّ حصاده، وبرهنّ عمليّاً على إمكانية محافظة المرأة على حجابها دون أن يمنع ذلك ممارستها لا شقّ الأعمال. 3 - يعترض المخالفون للحجاب قائلين: إنّ الحجاب يفصل بين الرجال والنساء، ويزيد في حرص الرجال بدلا من إخماد هذا الحرص، لأنَّ (المرء حريص على ما منع). وهذه سفسطة واضحة، فلو قارن المرء بين مجتمعنا على عهد الطاغوت واليوم لتجلّى له الحقّ صريحاً، فبالأمس كان نزع الحجاب إجبارياً، واليوم يسود الحجاب الإسلامي مجتمعنا كله، والفساد كان ينتشر بالأمس في كل أنحاء البلاد، ويسيطر التسيب على معظم الأسر، ويزداد الطلاق بنسبة عالية، وترتفع نسبة المواليد غير الشرعية، وآلاف المصائب الأُخرى. ونحن لا نجزم بأنّ كل الفساد قد زال في بلادنا واقتلعت جذوره، إلاّ أنّه ممّا لا شك فيه أنّه قد انخفض بدرجة كبيرة، واستعاد مجتمعنا سلامته بدرجة كبيرة. وإذا استمر الوضع على هذا المنوال بعون من الله، فإنّنا سنتمكن من حلّ جميع المشاكل. ويبلغ مجتمعنا مرتبة الطهارة الكاملة، ويحفظ للمرأة مكانتها الرفيعة. 2 - استثناء الوجه والكفين هناك اختلاف في الرأي بين الفقهاء حول شمول حكم حجاب الوجه والكفين من الرسغ إلى أطراف الأصابع، أم لا؟ الكثير من الفقهاء يرى أنّ تغطية الوجه والكفين مستثنى من حكم الحجاب، في الوقت الذي أفتى آخرون بوجوب تغطيتها، أو في الأقل احتاطوا في وجوب تغطيتها، وطبيعي أنّ القول باستثناء وجوب الحجاب على الوجه والكفين هو في حالة عدم نشوب فساد، وإلاّ فيجب تغطيتها. وهناك قرائن في الآية الشريفة تؤيد هذا الإستثناء ويؤيد الرأي الأوّل: أ - استثناء الزينة الظاهر في الآية السابقة، سواء دلت على أنّها تقصد موضع الزينة أو الزينة ذاتها، تكشف عن عدم وجوب تغطية الوجه والكفين. ب - إن حكم الآية السابقة بوجوب رمي أطراف خمار المرأة على طرفي الياقة يفهم منه تغطية جميع أجزاء الرأس والرقبة والصدر. ولم يتحدث هذا الحكم عن تغطية الوجه، وهذا دليل آخر على هذا الرأي. ولإيضاح ذلك نقول: كانت بعض نساء العرب يلبسن الخمار ويرمين طرفية على الكتفين بشكل تبقى الرقبة وجزء من الصدر مكشوفين، وقد أصلح الإسلام هذه الحالة، فأمر بتغطية الرقبة والصدر برمي طرفي الخمار على جانبي ياقة الثوب، لتبقى دائرة الوجه وحدها مكشوفة. ج - كما جاءت أحاديث إسلامية عديدة في هذا المجال تؤكّد ما ذهبنا إليه(5) مع وجود أحاديث معارضة لها، ولكنّها ليست بتلك الدرجة من الصراحة، والجمع بينهما بالقول باستحباب تغطية الوجه والكفين - عند خشية الفساد والإنحراف - أمر ممكن. كما تدل شواهد تاريخية على أنّ تغطية الوجه بقناع لم تكن عامّة في صدر الإسلام (ذكر شرح مفصل فقهي وروائي عن هذه القضية في البحوث الفقهية عن النكاح). إلاّ أنّنا نؤكّد ثانية أنّ هذا الحكم في وقت لا يؤدي إلى استغلال أو انحراف. كما يجب القول: إنَّ استثناء الوجه والكفين من حكم الحجاب لا يعني جواز النظر بشكل عمومي من قبل الرجال، وإنّما هو نوع من التسهيلات التي مُنحت للمرأة في الحياة. 3 - ما المقصود من نسائهنّ؟ ذكرنا في تفسير الآية السابقة أنّ تاسع مجموعة مستثناة بالإطلاع على زينة النساء هنّ النساء الأُخريات، وبملاحظة عبارة "نسائهنّ" ندرك أنّها تقصد النساء المسلمات، ولا يكشفن عن زينتهنّ لغير المسلمات، وفلسفة ذلك، أنّه من المحتمل أن يصفن - غير المسلمات - لأزواجهنّ ما شاهدنه من زينة النساء المسلمات. وهذا ليس عملا صائباً من قبل المسلمات. وروي عن الإمام الصادق(ع) في كتاب (من لا يحضره الفقيه): "لا ينبغي للمرأة أن تكشف بين يدي اليهودية والنصرانية فإنّهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ"(6). 4 - تفسير عبارة (أو ما ملكت أيمانهن) لظاهر هذه العبارة مفهوم واسع، ويدل على أنّه بإمكان المرأة الظهور دون حجاب بحضور عبدها، إلاّ أنّ بعض الأحاديث صرّحت بأنّ ذلك يعني فقط الظهور بين الجواري حتى لوكنّ غير مسلمات، ولا يشمل هذا الحكم العبيد. ففي حديث للإمام أميرالمؤمنين علي(ع): "لا ينظر العبد إلى شعر سيّدته"(7). ويستفاد من أحاديث أُخرى تعميم هذا الحكم على الجواري والعبيد، إلاّ أنَّ ذلك خلافاً للإحتياط. 5 - تفسير (أولي الإِربة من الرجال) "الإِربة" في الأصل مشتقة من "أَرَب" على وزن "عرب" وكما يقول الراغب الأصفهاني في مفرداته، شدّة الحاجة التي تدفع بالإنسان إلى إيجاد حلٍّ لها. كما استعملت بمعنى الحاجة بشكل عامّ. والقصد هنا من "أُولي الإربة من الرجال" الذين لهم رغبة جنسية وهم بحاجة إلى زوجة، وعلى هذا، فإنَّ "غير أولي الإربة" هم الرجال الذين لا رغبة جنسية لديهم أصلا. ولكن من المقصود بذلك؟ هنالك اختلاف بين المفسّرين. قال البعض منهم: إنّهم كبار السنّ الذين خمد لديهم دافع الشهوة الجنسية، (كالقواعد من النساء والنسوة اللاتي تجاوزت أعمارهن حدّ الزواج وهنّ كالمتقاعدات في هذا المجال). وقال آخرون: إنَّ المقصود هو الخصي من الرجال. وقال بعض المفسّرين: إنّه الرجل الخنثى، أي: الذي لا يمتلك آلة الرجولة. إلاّ أنّ التّفسير الذي يمكن الإعتماد عليه. هو الذي جاء في أحاديث مؤكّدة عن الإِمامين الباقر والصادق(ع): "هو الأحمق الذي لا يأتي النساء" من أنّ القصد هنا هو الأبلة من الرجال الذي لا يحسّ برغبة جنسية أبداً، ويستفاد منهم في الأعمال البسيطة وخدمة الأفراد، وعبارة "التابعين" تؤكّد هذا المعنى(8). وبما أن هذا الوصف - أي عدم الشعور بالرغبة الجنسية - فئة خاصّة من المسنين يصدق على. فلا نستبعد إمكانية توسعة مفهوم الآية ليشمل هذه الفئة، وقد روي حديث عن الإِمام الكاظم(ع) يؤكّد ذلك، بيد أنّ ذلك لا يعني أنّهم يصبحون من المحارم، غاية الأمر هو عدم وجوب تغطية الرأس أو جزء من اليدين بحضور هذه المجموعة. 6 - أي طفل مستثنى من هذا الحكم؟ ذكرنا أنّ المجموعة الثّانية عشرة - أي الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم - مستثنون من حكم الحجاب. وعبارة "لم يظهروا" تعني أحياناً "لم يطلعوا" وأحياناً أُخرى "لم يعتدوا" لأنّها جاءت بهذين المعنيين، حيث استعملها القرآن مرّة بهذا المعنى، وأُخرى بالمعنى الثّاني، ومثال ذلك ما جاء في الآيه (20) من سورة الكهف (وأن يظهروا عليكم يرجموكم). ونقرأ في الآية الثّانية من سورة التوبة (كيف وأن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّةً). إلاّ أنّ هذا الفرق ليس له أثر كبير بالنسبة للآية موضع البحث. حيث المقصود فيها الأطفال الذين ليس لهم ميول جنسية، بسبب عدم قدرتهم وعدم اطلاعهم وعلى هذا يجب على النساء المسلمات أن يتحجبن بحضور الأطفال الذين بلغوا مرحلة برزت فيها رغبتهم الجنسية وقدرتهم على ذلك. 7 - لماذا لم يذكر العم والخال ضمن المحارم؟ يطرح هذا السؤال بعد دراسة الآيات السابقة: لماذا لم يذكر العم والخال ضمن المحارم - قط - وهم من المحارم؟ ربّما كان القرآن قد استهدف البلاغة في تعابيره بعدم ذكر أيّة كلمة إضافية، فقد دلّ استثناء ابن الأخ وابن الأخت على أنّ العمّة والخالة تعتبران من محارم الرجل، ويتّضح بذلك أن العم والخال لإحدى النساء هما من محارمها. وبعبارة أُخرى: إنّ الحرمة ذات جانبين، فمن جهة بنات الأُخت وبنات الأُخ من محارم الرجال، وإنّه من الطبيعي سيكون من الجهة الثّانية العمّ والخال من المحارم "فتدبّر". 8 - تحريم سبل الإثارة! آخر كلام في هذا المجال هو أنّ الآية السابقة نصّت على حرمة المشي بقوّة من قبل النساء ليسمعن صوت الخلخال. وهذا يدل على دقّة الأحكام الإسلامية ومبلغ اهتمامها بالقضايا الخاصّة بعفّة الناس وشرفهم، بحيث لا يسمح معها بالقيام بمثل هذه الأعمال. ومن البداهة أن لا يسمح الإسلام بإثارة شهوات الشباب، عن طريق نشر الصور الخلاعية، والأفلام المثيرة للشهوات، والقصص والروايات الجنسية، ولا ريب في أنّ البيئة الإسلامية يجب أن تكون طاهرة سليمة من هذه الأُمور التي تجرّ أفرادها إلى مهاوي الفساد وظلماته، وتدفع بالشباب والشابات نحو الإنحطاط الخلقي والرذيلة. ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ عمن لا يحل لهن نظرة ﴿وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ عمن لا يحل لهن ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ كالحلي والثياب والأصباغ فضلا عن مواقعها لمن يحرم إبداؤها له ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ كالثياب والمراد بالزينة مواقعها والمستثنى الوجه والكفان وهو المروي ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ لستر نحورهن وصدورهن ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ الخفية كرر تأكيدا وللاستثناء من محل الإبداء له بقوله ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ﴾ نسبأ ورضاعا لاحتياجهن إلى مخالطتهم ولبعدهم عن وقوع الفتنة لنفرة الطباع عن مماسة القرائب ويعم الآباء من علا والأبناء من سفل ولم يذكر الأعمام والأخوال لأنهم في معنى الآباء أو الإخوان ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ أي المسلمات فلا يتجردن للكافرات وقيل كل النساء ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ قيل يعم العبيد والإماء ويعضده بعض الأخبار والمشهور اختصاصه بالإماء وهو الأحوط ﴿أَوِ التَّابِعِينَ﴾ الناس لفضل طعامهم ﴿غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ﴾ الحاجة إلى النساء ﴿مِنَ الرِّجَالِ﴾ وهم البله الذين لا يعرفون أمورهن وقيل الشيوخ الصلحاء ﴿أَوِ الطِّفْلِ﴾ جنس أريد به الجمع أي الأطفال ﴿الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ لم يطلعوا ﴿عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء﴾ أي لم يعرفوها لعدم شهوتهم ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ ليقعقع خلخالها ليعلم أنها ذات خلخال ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ من تقصير لا يكاد أحدكم يخلو منه أو مما فعلتموه في الجاهلية ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ تسعدون في الدارين.