ولكي لا يتصور أحد أنّ التكذيب والتشكيك كان بلحاظ غموض وإبهام مفاهيم القرآن الكريم، فيضيف في الآية اللاحقة: (وإنّه لحقّ اليقين).
التعبير بـ (حقّ اليقين) في إعتقاد بعض المفسّرين هو في قبيل (إضافة شيء إلى نفسه) لأنّ (الحقّ) هو (اليقين) نفسه و (اليقين) هو (عين الحقّ) وذاته، وذلك كما يقال: (المسجد الجامع) أو (يوم الخميس)، ويقال له بإصطلاح النحاة (إضافة بيانية) إلاّ أنّ الأفضل أن يقال في مثل هذه الإضافة: إضافة (الموصوف إلى الصفة).
يعني أنّ القرآن الكريم هو (يقين خالص) أو بتعبير آخر أنّ لليقين مراحل مختلفة، حيث يحصل أحياناً بالدليل العقلي كما في حصول اليقين بوجود النار من خلال مشاهدة دخّان من بعيد، لذا يقال لمثل هذا الأمر (علم اليقين).
وحينما نقترب أكثر ونرى إشتعال النار باُمّ أعيننا، فعند ذلك يصبح اليقين أقوى ويسمّى عندئذ بـ (عين اليقين).
وعندما يكون اقترابنا أكثر فأكثر ونصبح في محاذاة النار أو في داخلها ونلمس حرارتها بأيدينا، فإنّ من المسلّم أنّ هذه أعلى مرحلة من مراحل اليقين، وتسمّى بـ (حقّ اليقين).
والآية أعلاه تقول: إنّ القرآن الكريم في مثل هذه المرحلة من اليقين، ومع هذا فإنّ عديمي البصيرة ينكرونه ويشكّكون فيه.
﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ للحق المتيقن أضيف تأكيدا.