لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وعلى نهج القرآن، نجد آخر الآيات - موضع البحث - تستنتج وتلخّص الموضوع المطروح خلال إشارتها إلى البحوث السابقة: (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات) وكذلك دروس وعبر من الاقوام الماضية تنفعكم في يومكم هذا: (ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين). مسائل مهمّة: 1 - الزواج سُنّة إلهية على الرغم من أن الزواج في الوقت الحاضر قد تعقد بما أحاطته الأعراف الإجتماعية من عادات خاطئة وخرافية أحياناً، فأصبح طريقاً صعباً لا يتمكن الشاب من سلوكه، فإنّه لو اجتزنا هذه العراقيل لأدركنا أنّ الزواج تعبير فطري منسجم مع قانون الخليقة وضروري لبقاء نسل الإنسان، وسكن لروحه، وراحة لجسمه، وحل للمشاكل النفسية والإجتماعية. فالإسلام يخطو بانسجام مع الخلق، وله تعابير جميلة مؤثرة، ومن جملتها حديث مشهور عن الرّسول الأعظم(ص) "تناكحوا وتناسلوا تكثروا. فإنّي أباهي بكم الأُمم يوم القيامة ولو بالسقط"(6). ونقرأ حديثاً آخر له(ص) "من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي"(7). والسبب في كلّ هذا الإهتمام هو أنَّ الغريزة الجنسية من أقوى وأشرس الغرائز في الإنسان، وتنافس الغرائز الأُخرى بأجمعها، وانحرافها يعرّض دين المرء إلى الخطر، ولذا يعلو صوت حديث نبوي آخر: "شراركم عزّابكم"(8) لهذا شجعت الآيات - موضع البحث - وأحاديث عديدة المسلمين على التعاون في تزويج العزّاب، وتقديم ما بوسعهم من مساعدات في هذا السبيل. وقد حمّل الدّين الإسلامي الآباء مسؤولية كبيرة عن أبنائهم، والآباء الذين يتصرّفون دون مبالاة إزاء هذه القضية، فإنّهم يشاركون في إنحراف أبنائهم. كما نقرأ في حديث للرسول الأعظم(ص) "من أدرك له ولدٌ وعنده ما يزوجه فلم يزوجه، فأحدث، فالإثم بينهما!"(9). وقد أكّدت تعاليم الإسلام - لهذا السبب أيضاً - بالتيسير في نفقات الزواج والمهر، لإزالة الحواجز من طريق العُزّاب. خاصّة إذا علمنا أنّ المهر الغالي يقف حجر عثرة في وجه زواج العزّاب. ففي حديث للرّسول الأكرم(ص) يقول: "من شؤم المرأة غلاء مهرها"(10). وجاء في حديث آخر أعقب الحديث السابق: "من شؤمها شدّة مؤونتها"(11). وقد صرّحت الآية السابقة بأنّ الفقر لا يمكن أن يكون مانعاً للزواج، وقد يغني الله المرء بالزواج. وبهذا حكمت الآية وأدانت الذين يفرون من الزواج بحجّة أنّهم فقراء، ولا يتحملون هذه المسؤولية الإلهية والإنسانية، بأعذار واهية. والسبب في التأكيد على الزواج، هو أنّ المرء يشعر بعد زواجه بمسؤوليته في الحياة، فيزج قواه للكسب الحلال. بينما نجد العزاب في معظم الحالات مشردين! لعدم شعورهم بالمسؤولية. والمتزوج يكتسب شخصية إجتماعية، حيث يجد نفسه مسؤولا عن المحافظة على زوجته، وماء وجه أُسرته، وتأمين حياة سعيدة ومستقبل زاهر لها. ويستغلّ المتزوج جميع طاقاته للحصول على دخل معتبر، فتراه يقتصد في نفقاته ليتغلّب على الفقر بأسرع وقت ممكن، لهذا ذكر الإمام الصادق(ع) "الرزق مع النساء والعيال"(12). جاء في حديث للرسول الأكرم(ص) حين شكا رجل إليه فقره فأجابه(ص): "تزوّج". فتزوّج فوسع له(13). ولا جدال في أنَّ الإمدادات الإِلهية والقوى الروحية الخفية تساعد هذا الشخص الذي تزوج ليحفظ نفسه ويطهرها. وعلى كلّ مؤمن أن يطمئن لما وعده الله، فقد ذكر رسول الله(ص) "من ترك التزويج مخافة العيلة فقد ساء ظنّه بالله، إن الله عزَّوجلّ يقول: (أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) (14). وهناك أحاديث عديدة في هذا المجال، لو تناولناها جميعاً بالبحث لخرجنا عن بحثنا التّفسيري هذا. 2 - المراد من عبارة (والصالحين من عبادكم وإمائكم). ممّا يلفت النظر في الآيات موضع البحث أنّها حين التحدّث عن زواج الرجال والنساء الأيامي تأمر بالتعجيل في الزواج، وعدم وضع العراقيل في وجهه، أمّا بالنسبة للعبيد والجوارى، فتطلب توفر شرط الصلاح فيهم للزواج. وذهب عدد من المفسّرين (كالكاتب العظيم صاحب تفسير الميزان، وكذلك صاحب تفسير الصافي) إلى صلاحيتهم للزواج في حين أن هذا الشرط يجب أن يتوفر في النساء والرجال الأحرار أيضاً. وقال البعض الآخر: إنّه يقصد الصلاح من ناحية الأخلاق والعقيدة، لأنّ الصالحين يتمتعون بمكانة خاصّة من هذه الجهة، ولكن السؤال يبقى على حاله: لماذا لم يرد هذا الشرط في الاحرار؟ ويحتمل أن يكون المراد غير هذا: - إذ أنّ أكثر العبيد في تلك الفترة في مستوى ثقافي وأخلاقي واطيء، فلا يشعرون بأيّة مسؤولية، ولا يُقدرون المشاعر المشتركة في الحياة. فلو تزوجوا لتركوا زوجاتهم بسهولة، ومن هنا استوجبت الآية التأكد من صلاحيتهم للزواج. ومفهوم هذه الآية أن يعدّوا العبيد للزواج أوّلا بتهذيب أخلاقهم وزيادة صلاحهم، ليكونوا بمستوى المسؤولية التي تقع على عاتقهم بعد الزواج. 3 - ما هو عقد المكاتبة؟ قلنا: إنَّ الإسلام وضع برنامج التحرر التدريجي للعبيد، واستفاد من كل فرصة لعتقهم، فكانت قضية "المكاتبة" حكماً يجب اتباعه، كما نصّت عليه الآيات موضع البحث. وتشتق "المكاتبة" من الكتابة، والكتابة في الأصل مشتقّة من "كتب" بمعنى "الجمع" أي: جمع الحروف والكلمات. وبما أنّ العقد بين المولى والعبد يتمّ بكتابة موادَّ يتفق عليها، فلذلك سمّيت "مكاتبة". فعقد المكاتبة نوع من الإتفاقات يتمّ بين المولى وعبده، يلتزم العبد فيه بإعداد مبلغ من المال من عمل حرّ، ليدفع أقساطاً لسيّده، فاذا دفع آخر قسط ينال حريته. وأمر الإسلام ألا تتجاوز هذه الأقساط ثمن العبد نفسه. وإذا عجز العبد لسبب ما عَن دفع الأقساط المترتبة بذمّته، وجب أن تسدّد هذه الأقساط من بيت المال أو من الزكاة ليعتق، حتّى أنَّ بعض الفقهاء قال بصراحة: إذا تعلقت زكاة بذمّة السيّد، وجب عليه احتساب هذه الأقساط منها، وهذا العقد لازم التنفيذ، ولا يمكن فسخه من أيّ طرف من طرفي العقد. ويتّضح بذلك كيف يجعل هذا المشروع عتق العبيد يسيراً، ليعيشوا أحراراً مستقلين حتى في فترة إعداد الأقساط، كما أن أسيادهم لا يتضررون بذلك، فلا يدفعهم هذا إلى إلحاق الأذى بعبيدهم. ولعقد المكاتبة أحكام وفروع عديدة مذكورة في الكتب الفقهية في باب المكاتبة. ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ﴾ هي المبينة في الحدود والأحكام في السورة ﴿وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ﴾ وقصة عجيبة من جنس قصصهم وهي قصة عائشة أو مارية أو شبها من حالهم بحالكم لتعتبروا ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ خصوا بها لأنهم المنتفعون بها وقيل الآيات القرآن.