ثمّ يقول تعالى مؤكّداً ذلك: (فلا أُقسم بربّ المشارق والمغارب إنّا لقادرون على أن نبدل خيراً منهم وما نحن بمسبوقين).
لعل هذه الجملة إشارة إلى أنّنا لسنا قادرين على أن نعيد لهم الحياة بعد الموت فحسب، بل إنّنا نستطيع أن نبدله إلى أكمل الموجودات وأفضلها، ولا يمنعنا من ذلك شيء.
وعلى هذا فإنّ السياق هو إدامة لبحث المعاد، أو هو إشارة إلى أنّنا نهلككم جزاءً لأعمالكم ولا يمنعنا من ذلك شيء، ونستبدل بكم مؤمنين واعين، ليكونوا أنصاراً للنّبي (ص) ولا يضرّنا ذلك شيئاً، ولهذا إن كنّا نلح عليكم أن تؤمنوا فليس من باب العجز والإحتياج، بل من أجل تربية البشرية وهدايتها.
يمكن أن يكون المراد بـ (ربّ المشارق والمغارب) بأن اللّه الذي يقدر على أن يجعل للشمس العظيمة مشرقاً ومغرباً جديدين في كل يوم، ويكون بنظام دقيق من دون أية زيادة ونقصان مدى ملايين السنين قادر على أن يعيد الإنسان مرّة أُخرى إلى الحياة الجديدة ويستبدلهم بقوم أفضل منهم.
ملاحظة:
ربّ المشارق والمغارب:
قد يأتي تعبير المشرق والمغرب في أحياناً بصيغة المفرد كالآية (115) من سورة البقرة: (وللّه المشرق والمغرب) وأحياناً بصيغة المثنى كما في الآية (17) من سورة الرحمن: (ربّ المشرقين وربّ المغربين) وأحياناً أُخرى بصيغة الجمع (المشارق والمغارب) كالآية التي هو مورد بحثنا.
البعض من ذوي النظرات الضيقة يظنون تضاد هذه التعابير، في حين أنّها مترابطة، وكل منها يشير إلى بيان خاص، فالشمس في كلّ يوم تطلع من نقطة جديدة، وتغرب من نقطة جديدة أُخرى، وعلى هذا الأساس لدينا بعدد أيّام السنة مشارق ومغارب، ومن جهة أُخرى فإنّ من بين كل هذه المشارق والمغارب هناك مشرقان ومغربان ممتازان، إذ أن أحدهما يظهر في بدء الصيف أي الحد الأعلى لبلوغ ذروة ارتفاع الشمس في المدار الشمالي، والآخر في بدء الشتاء أي الحد الأدنى لنزول الشمس في المدار الجنوبي، (ويعبرون عن أحدهما بمدار "رأس السرطان"، وعن الآخر بمدار "رأس الجدي"،) وقد اعتمد على ذلك لأنّهما واضحان تماماً، بالإضافة إلى هذين المشرقين والمغربين الآخرين الّذَين سمّيا بالمشرق والمغرب والإعتداليان (وهو أوّل الربيع وأوّل الخريف، عند تساوي ساعات الليل والنهار في جميع الدنيا) ولذا ذهب البعض إلى هذا المعنى في تفسير الآية: "ربّ المشرقين والمغربين" وهو معنى مقبول أيضاً.
وأمّا ما جاء بصيغة المفرد فإنّ المراد به ماهيته، لأنّ الملاحظ فيه أصل المشرق والمغرب بدون الإلتفات إلى الأفراد، وبهذا الترتيب فإنّ لكلّ من العبارات المختلفة أعلاه مسألة تلفت نظر الإنسان إلى التغييرات المختلفة لطلوع وغروب الشمس، والتغيير المنتظم لمدارات الشمس.
﴿عَلَى أَن نُّبَدِّلَ﴾ أي نهلكهم ونخلق بدلهم ﴿خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ بمغلوبين على ذلك.