ثمّ تبيّن الآية التالية اليوم الموعود، وتذكر بعض علامات ذلك اليوم المرعب فيقول تعالى: (يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنّهم إلى نصب يوفضون).
يا له من تعبير عجيب، إنّه وصف يوم القيامة في وقت يتجهون فيه سراعاًإلى محكمة العدل الإلهي اتجاهاً يشبه اسراعم في يوم احتفال أو عزاء باتجاه اصنام، ولكن أين ذلك من هذا؟ إنّه في الحقيقه استهزاء بعقائدهم المجونة التي كانوا يعتقدون بها في الدينا.
"الأجداث": جمع جدث - على وزن (عبث) - وتعني القبر.
"سراع": جمع سريع، مثل (ظراف وظريف) وتعني الحركة السريعة للشيء أو الإنسان.
"نصب": جمع نصيب، ويقول البعض: إنّه جمع نصب - على وزن (سقف) - المراد منه هو ما ينصب كعلامة، وتطلق على الأصنام الحجرية إذ كانوا ينصبونها في مكان ما ليعبدوها ويُقدّم لها القرابين ثمّ يلطخون دماءها عليها، واختلافه مع الصنم هو أنّ الصنم كان على هيئة صورة وشكل خاص، وأمّا النصب فهو قطعة من الحجر لا شكل له، وكانوا يعبدونه لسبب ما، ونقرأ في الآية (رقم 3) من سورة المائدة: (وما ذبح على النصب) أي أنّ من جملة اللحوم المحرّمة هي ما يذبحون من الحيوانات على النصب.
"يوفضون": من (إفاضة) وتعني الحركة السريعة المشابهة لحركة الماء المنحدر من العين، وقال البعض: إنّ المراد من النصب في الآية التي نحن بصددها هو الأعلام التي ينصبونها في وسط الجيش أو القوافل، وعلى كل منهم أن يوصل نفسه بسرعة إليها، ولكن التّفسير الأوّل هو الأنسب.
﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ القبور ﴿سِرَاعًا﴾ سريعين ﴿كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ﴾ بفتح النون وإسكان الصاد صنم أو علم نصب لهم وقرىء بضمها ﴿يُوفِضُونَ﴾ يسرعون.