ثمّ إنّ نوحاً (ع) يضيف: (وإنّي كلّما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً).
ولكي لا يسمعوا صوت الحق كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم، ويلفون ثيابهم حول أنفسهم أو يضعونها على رؤوسهم لئلا تصل أمواج الصوت إلى أدمغتهم! وربّما كانوا يتقنعون لئلا تقع أعينهم على الهيئة الملكوتية لهذا النّبي العظيم، وفي الحقيقة كانوا يصرون على أن تتوقف الآذان عن السماع والعيون عن النظر!
وهذا في الواقع أمر مدهش أن يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من العداوة للحق إلى حدّ لا يعطي لنفسه فرصة النظر والسماع والتفكر.
وقد ورد في بعض التفاسير أنّ بعض اُولئك المعاندين كان يذهب بابنه إلى نوح (ع) فيقول له: إحذر هذا لا يغوينك، فإنّ أبي قد جاء بي إليه وأنا صغير مثلك فحذّرني مثل ما حذّرتك (2)، (حتى أكون ممّا وفى بحق الوصية وحبّ الخير).
هذا يدل على أنّ نوحاً (ع) كان مستمراً في دعوته الإلهية طوال عمره الشريف ولعدّة أجيال وكان لا يعرف التعب أبداً.
وكذلك تتضمّن الآية الإشارة إلى أحد الأسباب المهمّة لتعاستهم وهو الغرور والتكبر، لأنّهم كانوا يرون أنفسهم أكبر من أن يتنازلوا لإنسان مثلهم، وإن كان ممثلاً عن اللّه وتقيّاً، ومهما كان قلبه عامراً بالعلم، فكان هذا الغرور والكبر أحد الموانع المهمّة والدائمة في طريق الحق، ونحن نشاهد النتائج المشؤومة لذلك على طول التاريخ في حياة اُناس لا إنمان لهم.
وإني كلما دعوتهم) إليه (لتغفر لهم) بسببه (جعلوا أصابعهم في ءاذانهم) لئلا يسمعوا دعائي (واستغشوا ثيابهم) تغطوا بها لئلا يروني.
(و أصروا) على كفرهم (واستكبروا) عن إجابتي (استكبارا).