وتدل الآية الأُخرى على هذا الأمر، إذ أنّها تضيف بعد الإشارة إلى خفاء هذا المكر في قوله تعالى: (وقالوا لا تذرنّ آلهتكم).
ولا تقبلوا دعوة نوح إلى اللّه الواحد، وغير المحسوس، وأكدوا بالخصوص على خمسة أصنام، وقالوا: (ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً).
ويستفاد من القرائن أنّ لهذه الأصنام الخمسة مميزات وخصائص، وأنّها لقيت عناية بالغة من القوم الظالمين، ولهذا كان رؤسائهم المستغلون لهم يعتمدون على عبادتهم لها.
وهناك روايات متعددة تشير إلى وجود وابتداع هذه الأصنام، وهى:
1 - قال البعض: إنّها أسماء خمسة من الصالحين كانوا قبل نوح (ع) وعندما رحلوا من الدينا اتّخذوا لهم تماثيل لتبقى ذلكرى، وذلك بتحريك وإيحاء من إبليس، فوقّروها حتى عبدت تدريجياً بمرّ العصور.
2 - قيل أنّها أسماء خمسة أولاد لآدم (ع) كان كلّما يموت أحدهم يضعون له تمثالاً وذلك لتخليد ذكراه، وبمرور الزمن نُسي ذلك الغرض وأخذوا يروجون عبادتها بكثرة في زمن نوح (ع).
3 - البعض الآخر يعتقد أنّها أسماء لأصنام في زمن نوح (ع)، وذلك لأنّ نوحاً (ع) كان يمنع الناس من الطواف حول قبر آدم (ع) فاتخذوا مكانه تماثيل بإيعاز من إبليس وشغلوا بعبادتها (1).
وهكذا انتقلت هذه الأصنام الخمسة إلى الجاهلية العربية، وانتخبت كل قبيلة واحدة من هذه الأصنام لها، ومن المستبعد أن تكون الأصنام قد انتقلت إليهم، بل إنّ الظاهر هو انتقال الأسماء إليهم ثمّ صنعهم التماثيل لها، ولكن بعض المفسّرين نقلوا عن اين عباس أنّ هذه الأصنام الخمسة قد دفنت في طوفان نوح (ع)، ثمّ أخرجها الشيطان في عهد الجاهلية ودعا الناس إلى عبادتها (2).
وفي كيفية تقسيم هذه الأصنام على القبائل العربية في الجاهلية، قال البعض: إنّ الصنم (ود) قد اتّخذته قبيلة بني كلب في أراضي دومة الجندل، وهي مدينة قريبة من تبوك تدعي اليوم بالجوف، واتّخذت قبيلة هديل (سواعاً) وكانت في بقاع رهاط، واتّخذت قبيلة بني قطيف أو قبيلة بني مذحج (يغوث)، وأمّا همدان فاتّخذت (يعوق)، واتّخذت قبيلة ذي الكلاع (نسراً)، وهي قبائل حمير (3).
وعلى كل حال، فإنّ ثلاثة منها أي (يغوث ويعوق ونسر) وكانت في اليمن ولكنّها اندثرت عندما سيطر ذو نؤاس على اليمن، واعتنق أهلها اليهودية (4).
يقول المؤرخ الشهير الواقدي: كان الصنم (ود) على صورة رجل، و (سواع) على صورة امرأة و (يغوث) على صورة أسد و (يعوق) على صورة فرس و (نسر) على صورة نسر (الطائر المعروف).(5)
وبالطبع أنّ هناك أصنام أُخرى كانت لعرب الجاهلية، منها "هبل" الذي كان من أكبر أصنامها التي وضعوها داخل الكعبة، وكان طوله 18 ذراعاً، والصنم (أساف) المقابل للحجر الأسود، والصنم (نائلة) الذي كان مقابل الركن اليماني (الزاوية الجنوبية للكعبة) وكذلك كانت (اللات) و (العزى).(6)
(وقالوا) لهم (لا تذرن ءالهتكم) خصوا منها خمسة فقالوا (ولا تذرن ودا) بالفتح والضم (ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) قيل هي أسماء قوم صلحاء بين آدم ونوح فلما ماتوا صوروهم ليقتدوا بهم ثم عبدوا ثم انتقلت إلى العرب.