إضافة إلى ما جاء في الآية (75) من سورة مريم (عليها السلام): (حتى إذا رأوا ما يوعدون إمّا العذاب وإمّا الساعة فسيعلمون من هو شرّ مكاناً وأضعف جنداً) وعلى كل حال فإنّ سياق هذه الآية يشير إلى أنّ أعداء الإسلام كانوا يتبججّون قدرات جيوشهم وكثرة جنودهم أمام المسلمين يستضعفونهم، الأنصار لهذا كان القرآن يواسيهم ويبشرهم بأنّ العاقبة ستكون بانتصارهم وخسران عدوهم.
ملاحظتان
1 - صفاء القادة الإلهيين
إحدى خصوصيات القادة الإلهيين هي أنّهم بعكس العادة الشيطانيين، ليسوا بمغرورين ولا متكبرين ولا ممن يدّعون ما ليس فيهم.
فإذا كان فرعون ينادي لحماقته: أنا ربّكم الأعلى! وهذه الأنهار تجري من تحتي، فإنّ الإلهيون يرون أنفسهم من أصغر عباد اللّه لشدّة تواضعهم للّه، وما كانوا يحسبون لأنفسهم قدرة أمام إرادة اللّه تعالى، كما نقرأ في الآية (110) من سورة الكهف: (قل إنّما أنا بشر مثلكم يوحي إليّ) وورد في موضع آخر: (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع ما يوحى إليّ وما أنا إلاّ نذير مبين).
ونقرأ في آية اُخرى: (قل لا أقول لكم عندي خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنّي ملك).(5)
حتى لو وصلوا إلى ذروة القدرة المادية فإنّهم لا يغترون بها ولا يتيهون فيها كما قال سليمان (ع): (هذا من فضل ربّي).(6)
ومن الطريف أنّ كثيراً من الآيات القرآنية توجّه خطابات حادة إلى النّبي (ص) وتعاتبه ليكون في أمره على حذر.
إنّ مجموع هذه الآيات والآيات السابقة هي وثيقة حيّة على أحقّية هذا النّبي العظيم، وإلاّ فما هو المانع من أن يدعي لنفسه المنازل العظيمة فوق ما يدركه البشر وهو يعيش في فئة تتقبل منه ما يدّعيه ومن دون احتجاج وتساؤل من الناس كما أشار التاريخ إلى ذلك في شأن الظالمين.
نعم، إنّ هذ التعابير في مثل هذه الآيات تكون شواهد حيّة لأحقّية دعوة الرّسول الأكرم (ص).
2 - ليس المهم الكم بل الكيف!
أُخذ هذا الموضوع بنظر الإعتبار في كثير من آيات القرآن، وهو أنّ طاغوت كل زمان يتظاهر بكثرة أعوانه، كما في شأن فرعون عندما كان يستهين بمن مع موسى (ع) فقال: (إنّ هؤلاء لشرّ ذمّة قليلون) (7)، وقال مشركو العرب: (نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين) وكان المعاند يتظاهر بأمواله وأعوانه، ويفتخر بذلك ليغيظ به المؤمنين، ويقول: (أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً).(8)
ولم يكن المؤمنون السائرون على خط الأنبياء يتأثرون بمظاهر الثروة وغيرها، بل كان قولهم هو: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه).(9)
ويقول أمير المؤمنين (ع): "أيّها الناس لاتستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله" (10) إنّ تاريخ الأنبياء، وبالخصوص تاريخ حياة النّبي (ص)، يشير كيف أن المعاندين على كثرتهم وامتلاكهم لجميع القدرات انكسروا وعجزوا أمام القلّة القليلة من المؤمنين، وتعكس الآيات القرآنية هذا المعني جيداً وهي تروي قصص بني إسرائيل وفرعون وطالوت وجالوت، وكذلك ما في واقعة بدر والأحزاب.
﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ من العذاب في بدر أو القيامة ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ حينئذ ﴿مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾ أعوانا هو أم هم وكأنهم قالوا متى هذا الوعد فقيل.