وأشارت الآية التالية إلى إحدى معاجز الخلق ودلائل عظمة الله، وهو خلق الليل والنهار بما فيهما من خصائص، حيث تقول (يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار).
وذكرت لمعنى "يقلّب" عدّة تفاسير، فقال البعض: إنَّ تقلب الليل والنهار هو أنْه إذا حَلَّ أحدهما مَحَا الآخر.
وقال البعض: إنَّه قصر أحدهما وطولُ الآخر، ويَحْدُثُ ذلك بصورة تدريجية وله ارتباطٌ بالفصول الأربعة.
واعتبْر آخرون تقلبات الحرّ والبرد، وحوادث أُخرى تقع في الليل والنهار(3).
وليس بين هذا التفاسير أيُ تناقض، بل يمكن جمعُها في مفهوم عبارة "يقلب"، ولا ريب - وقَدْ برهن العلم على ذلك - أنَّ لتعاقب الليل والنهار والتغييرات التدريجية الحاصلة منه أثر فَعّال في استدامة الحياة وبقاء الإنسان، وفي ذلك عبرة لأُولي الأبصار.
وإذا كانت حرارة الشمس على نسق واحد، فإنَّها ترفع درجة حرارة الهواء، وتقتل الأحياء وتتعب الأعصاب، لكنَّ وقوع الليل بين نهارين يعدِّل من أثر الشمس القوي ويلائمه.
كما إنّ التغييرات التدريجية في ساعات الليل والنهار هي السبب في ظهور الفصول الأربعة، وعامِلٌ مؤثِّرٌ جدّاً في نمو النباتات وحياة جميع الأحياء وهطول المطر وتكوين المياه الجوقية التي هي مِنْ كنوزِ الأرض(4).
﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ يعاقب بينهما أو يدخل أحدهما في الآخر أو يعم ذلك وتغيير أحوالهما بالحر والظلمة وضدهما ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لَعِبْرَةً﴾ لدلالة ﴿لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ﴾ لذوي البصائر على الصانع.