لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
في بحثنا للآية الأخيرة التي تنهي السورة تبيان لدليل وجود الحراس والمراقبين فيقول: (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم وأحاط لما لديهم وأحصى كل شيء عدداً) (3). المراد من العلم هنا هو العلم الفعلي، وبعبارة أُخرى ليس معنى الآية أنّ اللّه ما كان يعلم عن أنبيائه شيئاً ثمّ علم، لأنّ العلم الإلهي أزلي وأبدي وغير منتاه، بل إنّ المراد هو تحقق العلم الإلهي في الخارج، ويتخذ لنفسه صورة عينية واضحة، أي ليتحقق إبلاغ الأنبياء ورسالات ربّهم ويتمموا الحجّة بذلك. بحوث 1 - تحقيق موسّع حول علم الغيب من خلال التمعن في الآيات المختلفة للقرآن الكريم يتّضح لنا أنّ الآيات المتعلقة بعلم الغيب قسمان: القسم الأوّل: ما يتعلق بذاته جلّ شأنه ولا يعلمه إلاّ هو، كما في الآية (59) من سورة الأنعام: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو) والآية (65) من سورة النمل: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلاّ اللّه) وكما ورد في شأن النّبي (ص) في الآية (50) من سورة الأنعام: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الأرض ولا أعلم الغيب). ونقرأ في الآية (188) من سورة الأعراف: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) وأخيراً نقرأ في الآية (20) من سورة يونس: (فقل إنّما الغيب للّه) وغيرها من الآيات. القسم الثّاني: يطرح بوضوح إطلاع أولياء اللّه على الغيب، كما نقرأ في الآية (179) من سورة آل عمران: (ما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء) ونقرأ في معاجز المسيح (ص): (وأُنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) (4) والآية السابقة مورد البحث أيضاً تشير إلى أنّ اللّه تعالى يهب العلم لمن يرتصيه من رسله: (وذلك لأنّ استثناء النفي إثبات)، ومن جهة أُخرى فإنّ الآيات التي تشمل الأخبار الغيبية ليست بقليلة. كالآية الثّانية حتى الرّابعة من سورة الروم: (غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)، وتقول الآية (85) من سورة القصص: (إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) وتقول الآية (27) من سورة الفتح: (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين). ومن المعروف أنّ الوحي السماوي الذي يهبط على الرسل هو نوع من الغيب الذي أطلعهم اللّه عليه، فكيف يمكن أن ننفي إطلاعهم بالغيب في الوقت الذي يهبط عليهم الوحي. بالإضافة إلى ذلك كلّه فإنّ هناك روايات كثيرة تدل على أنّ النّبي (ص) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) مطّلعون على الغيب، ويخبرون به أحياناً، فمثلاً نجد ذلك في قصّة "فتح مكّة" وحادث حاطب بن أبي بلتعة الذي كتب كتاباً لأهل مكّة وسلمه لامرأة تدعى "سارة" لتوصله إلى مشركي مكّة، وأطلعهم فيه على نيّة الرّسول في الهجوم على مكّة، فأخفت تلك المرأة الكتاب في ضفائرها، قصدت الذّهاب إلى مكّة، فأرسل النّبي (ص) إليها أمير المؤمنين (ع) ومعه بعض أصحابه وقال لهم: "ستجدون امرأة عندها كتاب من حاطب إلى المشركي قريش في منزل يسمّى (خاخ) " فلمّا وجدوها أنكرت عليهم الكتاب، ولكنّها سرعان ما اعترفت وأخذوا منها الكتاب (5). وكذلك إخبارهم بحوادث معركة مؤتة، واستشهاد جعفر الطيار (ع) وبعض القادة المسلمين، في الوقت الذي كان الرّسول (ص) يطلع الناس على ذلك في المدينة (6)، والأمثلة على ذلك ليست قليلة في حياة النّبي (ص). وورد في نهج البلاغة أيضاً أخبار كثيرة سابقة لأوانها تشير إلى حوادث مستقبلية، أخبر عنها أمير المؤمنين (ع)، ممّا يدل على اطلاعه (ع) بأسرار الغيب، كما جاء في الخطبة (13) في ذمّة أهل البصرة حيث يقول: "كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ لسفينة قد بعث اللّه عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها". ووردت في روايات أُخرى عن طريق الخاصّة والعامّة أخبار متعددة عنه (ع) وهي سابقة لأوانها، كقوله لحجر بن قيس: "إنّك من بعدي تجبر على لعني" (7). وما قاله في مروان: "إنّه يحمل راية الضلال بعد الكِبَر على أكتافه" (8). وما قاله كميل بن زياد للحجاج أنّ أمير المؤمنين (ع) قد أخبرني بأنّك قاتلي.(9) وما قاله (ع) في خوارج النهروان: "إنّه لا يقتل منّا في حربهم عشرة ولا ينجو منهم إلاّ عشرة" (10) وقد حدث ما قال (ع). وما قاله حول موضع قبر الإمام الحسين (ع) عند مروره بكربلاء للأصبغ بن نباتة (11)، وفي كتاب فضائل الخمسة وردت روايات كثيرة عن كتب أبناء العامّة حول علم الإمام الخارق للعادة، وذكرها يطول في هذا المقام (12). وذكرت أيضاً روايات عديدة في هذا الباب عن لسان الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ; منها ما ذكر في كتاب الكافي المجلد الأوّل من تصاريح وإشارات متعددة في أبواب عديدة منه. وقد أورد المرحوم العلاّمة المجلسي في كتابه بحار الأنوار المجلد (26) أحاديث كثيرة في هذا الإطار تبلغ 22 حديثاً. ومضافاً إلى ذلك فإنّ روايات في باب علم الرّسول (ص) والائمّة المعصومين (ع) بأسرار الغيب هي على حدّ التواتر، أمّا كيف نجمع بين هذه الآيات والرّوايات التي ينفي بعضها علم الغيب لغير اللّه وإثبات البعض الآخر لغيره تعالى؟ هناك طرق مختلفة للجمع بينها: 1 - أشهر طرق الجمع هو أنّ المراد من اختصاص علم الغيب باللّه تعالى هو العلم الذاتي والإستقلالي، ولهذا لا يعلم الغيب إلاّ هو، وما يعلمونه فهو من اللّه، وذلك بلطفه وعنايته، والدليل على هذا الجمع هو تلك الآية التي بُحثت من قبل والتي تقول: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلاّ من ارتضى من رسول). وقد اُشير إلى هذا المعنى في نهج البلاغة عندما كان أمير المؤمنين (ع) يُخبرُ عن الحوادث المقبلة (وهو يتصور هجوم المغول على البلاد الإسلامية) فقال أحد أصحابه: يا أمير المؤمنين، هل عندك علم الغيب؟ فتبسّم أمير المؤمنين (ع) وقال: "ليس هو بعلم غيب، إنّما هو تعلم من ذي علم".(13) وقد وافق على هذا الجمع كثير من العلماء المحققين. 2 - أسرار الغيب قسمان: قسم خاص باللّه عزّوجلّ لا يعلمه إلاّ هو كقيام الساعة، وغيرها ممّا يشابه ذلك، والقسم الآخر علّمه الأنبياء والأولياء، كما يقول علي (ع) في نهج البلاغة في ذيل تلك الخطبة المشار إليها: "وإنّما علم الغيب علم الساعة، وما عدده اللّه سبحانه بقوله: (إنّ اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت) (14). ثمّ أضاف الإمام (ع) في شرح هذا المعنى. يمكن لبعض الناس أن يعلموا بزمان وضع الحمل أو نزول المطر ومثل ذلك علماً إجمالياً، وأمّا العلم التفصيلي والتعرف على هذه الاُمور فهو خاص بذات اللّه تعالى المقدسة وإنّ علمنا بشأن يوم القيامة هو علم إجمالي ونجهل جزئيات وخصوصيات يوم القيامة. وإذا كان النّبي (ص) أو الأئمّة المعصومون (عليهم السلام) قد أخبروا البعض في أحاديثهم عمّن يولد أو عمن ينقضي عمره، فذلك يتعلق بالعلم الإجمالي. 3 - الطريق الآخر للجمع بين القسمين من الآيات والرّوايات هو ثبوت أسرار الغيب في مكانين: في اللوح المحفوظ (الخزانة الخاصّة لعلم اللّه وهو غير قابل للتغيير ولا يمكن لأحد أن يعلم عنه شيئاً). ولوح المحو والإثبات الذي هو علم المقتضيات وليس العلّة التامة، ولهذا فهو قابل للتغيير، وما لا يدركه الآخرون يرتبط بهذا القسم. لذا نقرأ في حديث عن الإمام الصّادق (ع): "إنّ للّه علماً لا يعلمه إلاّ هو، وعلماً أعلمه ملائكته ورسله، فما أعلمه ملائكته وأنبياءه ورسله فنحن نعلمه" (15). ونقل عن علي بن الحسين (ع) أيضاً أنّه قال: "لولا آية في كتاب اللّه لحدثتكم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة" فقلت له: أيّة آية؟ فقال: "قول اللّه: (يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب) (16). وطبقاً لهذا الجمع يكون تقسيم العلوم على أساس حتميته أو عدمه، وفي الجمع السابق يكون على أساس مقدار المعلومات. 4 - والطريق الآخر هو أنّ اللّه تعالى يعلم بكل أسرار الغيب، وأمّا الأنبياء والأولياء فإنّهم لا يعلمونها كلّها، ولكنّهم إذا ما شاءوا ذلك أعلمهم اللّه تعالى بها، وبالطبع هذه الإرادة لا تتمّ إلاّ بإذن اللّه تعالى. ومحصلة ذلك أنّ الآيات والرّوايات التي تقول إنّهم لا يعلمون بالغيب هي إشارة إلى عدم المعرفة الفعلية، والتي تقول إنّهم يعلمون تشير إلى إمكان معرفتهم لها. وهذا في الحقيقة كمن يسلم رسالة بيد شخص ما ليوصلها إلى آخر، ويمكن القول هنا: إنّ الشخص الموصل لها لا يعلم بمحتوى الرسالة، ولكن يمكنه فتحها والتعرف على ما فيها إذا ما حصل على الموافقة على قراءتها، ففي هذه الصورة يمكن القول على أنّه عالم بمحتوى الرسالة، وربّما لا يُسمح له ذلك. والدليل على هذا الجمع هو ما نقرأه في الرّوايات المنقولة في كتاب الكافي للكليني (رحمه الله) في باب (أنّ الأئمّة إذا شاءوا أن يعلموا اُعلموا) ومنها في حديث ورد عن الإمام الصّادق (ع) قال: "إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه للّه ذلك".(17) وهذا الوجه من الجمع يمكن أن يحلّ الكثير من المشاكل المتعلقة بعلم النّبي (ص) والأئمّة (عليهم السلام)، منها أنّهم كانوا يتناولون مثلاً الغذاء المسموم في حين أن تناول ما يؤدي بالإنسان إلى الهلاك غير جائز، فكيف يكون ذلك؟ فلهذا يجب القول: إنّ في مثل هذه الموارد ما كان يسمح لهم معرفة أسرار الغيب. وهكذا تقتضي المصلحة أحياناً في ألاّ يتعرّف النّبي (ص) أو الإمام على أمر من الأُمور، أو يعرض إلى اختبار ليتكامل بتجاوزه مرحلة الإختبار، كما جاء في قضّة ليلة المبيت عندما بات الإمام علي (ع) في فراش النّبي (ص) وهو لا يعلم هل أنّ الإمام (ع) سوف ينجو من المشركين عندما يهجمون على أم يستشهد، فالمصلحة هنا تقتضي ألاّ يعلم الإمام عاقبة هذا الأمر ليتحقق الإختبار الإلهي، وإذا كان الإمام بنجاته عند هجوم القوم عليه لم يكن له حينئذ أيّ، ولم يكن ما ذكر في الآيات الكريمة والرّوايات في أهمية هذا الإيثار محل من الاعراب. نعم، إنّ مسألة العلم الإرادي هي جواب لكلّ هذه الإشكالات. 5 - هناك طريق آخر أيضاً لجمع الرّوايات المختلفة في علم الغيب (وإن كان هذا الطريق صادقاً في بعض هذه الرّوايات) وذلك هو أنّ المخاطبين في هذه الرّوايات هم على مستويات مختلفة، فمن كان له الإستعداد الكامل والتهيؤ لقبول مسألة علم الغيب للأئمّة (عليهم السلام) كانت تستوفي لهم المطاليب بتمامها، وأمّا المخالفون والضعفاء فقد كان الحديث معهم على قدر عقولهم. فنقرأ مثلاً في حديث أنّ أبا بصير وعدّة من أصحاب الإمام الصادق (ع) كانوا ذات يوم في مجلس فدخل عليهم الإمام (ع) غضبان، وعندما جلس قال: "ياعجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب! ما يعلم الغيب إلاّ اللّه عزّوجلّ لقد هممت بضرب جاريتي فلانة، فهربت منّي فما علمت في أي بيوت الدار هي".(18) يقول الراوي: فلمّا قام الإمام ودخل الدّار قمنا خلفه، وقلنا له: فدتك نفوسنا قلت هذا عن جاريتك، ونحن نعلم أنّ لكم علوماً كثيرة، ولا نسمّي ذلك بعلم الغيب؟ عندئذ قال الإمام: "إنّ ما أردته كان العلم بأسرار الغيب". يتّضح من ذلك أنّ الجالسين كانوا لا يملكون الاستعداد والتهيؤ لإدراك مثل هذه المعاني ويجهلون مقام الإمام (ع). ويجب الإلتفات إلى أنّ هذه الطرق الخمسة لا تتنافى مع بعضها، ويمكن أن تكون كلّها صادقة. 2 - الطريق الآخر لإثبات علم الغيب للأئمّة (عليهم السلام) يوجد هنا طريقان لإثبات حقيقة أنّ النّبي (ص) والأئمّة (عليهم السلام) المعصومين يعلمون الغيب بصورة إجمالية: الأوّل: هو أنّنا نعلم أنّ مهمتهم لم تجدّد بمكان وزمان خاص، بل أنّ رسالة النّبي (ص) وإمامة الأئمّة (عليهم السلام) هي عالمية وخالدة، فكيف يمكن لمن يملك هذه المهمّة ألاّ يعلم شيئاً سوى ما يحيط به وبزمانه؟ هل يمكن لمن يتسلم مهمّة الإمرة على إمارة، والمحافظة على قسم عظيم من بلاد ما وهو لا يعلم منها شيئاً، وفي نفس الوقت يطلب منه أن ينفذ المهمّة على أحسن وجه؟! وبعبارة أُخرى، أنّ النّبي (ص) أو الإمام عليه أن يبيّن الأحكام الإلهية ويطبقها في فترة حياته بحيث يلبّي احتياجات البشرية في كلّ زمان ومكان، وهذا لا يمكن إلاّ بمعرفته على الأقل لقسم من أسرار الغيب. ثمّ هناك ثلاث آيات في القرآن المجيد إذا وضعت إلى جانب بعضها البعض فسرعان ما يتّضح لنا ما يتعلق بعلم الغيب النّبي (ص) والأئمّة (عليهم السلام) فالأوّل ما يذكره القرآن حول من أحضر عرش ملكة سبأ في طرفة عين (وهو آصف بن برخيا) فيقو تعالى في كتابه: (قال الذي عنده علم الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلمّا رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربّي) (19)، ونقرأ في آية أُخرى: (قل كفى باللّه شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) (20). ومن جهة أُخرى نقل في أحاديث مختلفة في كتب الخاصّة والعامّة أنّ أبا سعيد الخدري قال سألت النّبي (ص) عن معنى الآية: (الذي عنده علم من الكتاب) فقال: "هو وصي أخي سليمان بن داود" قلت ومن المراد في : (ومن عنده علم الكتاب) ؟فقال: "ذاك أخي علي بن أبي طالب" (21). فالملاحظ فيما يقوله إنّ (علم من الكتاب) الذي جاء فيما يخص "آصف" هو علم جزئي، وأمّا حينما يقول في (علم الكتاب) الذي ورد فيما يخص علياً (ع) هو علم كلي، وهذا ما يوضح الإختلاف بين المقام العلمي لآصف وبين المقام العلمي لعلي (ع). ومن جهة ثالثة: نقرأ في الآية (89) من سورة النحل: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء) فمن الواضح أنّ من يعلم بأسرار مثل هذا الكتاب، لابدّ أن يكون مطّلعاً على أسرار الغيب، وهذا دليل واضح على إمكان الإطلاع والمعرفة على أسرار الغيب بأمر من اللّه لإنسان هو من أولياء اللّه. وكانت لنا بحوث ح علم الغيب في ذيل الآية (50) و (59) من سورة الأنعام والآية (188) من سورة الأعراف. 3 - تحقيق حول خلق الجن الجن كما جاء في المفهوم اللغوي هو نوع من الخلق المستور، وقد ذكرت له مواصفات كثيرة في القرآن منها: 1 - إنّهم مخلوقون من النار، بعكس الإنسان المخلوق من التراب: (وخلق الجان من مارج من نار).(22) 2 - إنّهم يمتلكون الإدراك والعلم والتمييز بين الحق والباطل والقدرة على المنطق والإستدلال، (كما هو واضح من آيات سورة الجن). 3 - إنّهم مكلّفون ومسؤولون (كما في آيات سورة الجن والرحمن). 4 - وفيهم المؤمنون والصالحون والطالحون: (وأنا منّا الصالحون ومنّا دون ذلك).(23) 5 - إنّهم يحشرون وينشرون : (وأمّا القاسطون فكانوا لجهنم حطباً).(24) 6 - لهم القدرة على النفوذ في السماوات وأخذ الأخيار واستراق السمع، ولكنّهم منعوا من ذلك فيما بعد: (وأنّا منّا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً).(25) 7 - كانوا يوجدون ارتباطاً مع بعض الناس لإغوائهم بما لديهم من العلوم المحدودة التابعة إلى بعض الأسرار الروحية: (وأنّه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً).(26) 8 - ويوجد فيهم من يتمتع بالقدرة الفائقة كما وجود في أوساط الإنس: (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك).(27) 9 - لهم القدرة على قضاء بعض الحوائج التي يحتاجها الإنسان (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربّه... يعملون ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب) (28). 10 - إنّ خلقهم كان قبل خلق الإنسان: (والجان خلقناه من قبل) (29) ولهم خصائص أُخرى بالإضافة إلى ذلك فإنّه يستفاد من الآيات القرآنية أنّ الإنسان هو نوع أفضل من الجن، وبخلاف ما هو مشهور على الألسن لأنّهم أفضل منّا، ودليل اختيار الأنبياء من الإنس، وإنّهم آمنوا بنبي الإسلام الذي هو من الإنس واتبعوه، وهكذا وجوب سجود الشيطان لآدم (ع) كما صرّح القرآن بذلك،وكون الشيطان من أكابر طائفة الجن (الكهف 50) هو دليل على أفضلية بني الإنسان على الجنّ. إلى هنا كان الحديث عن أُمور تستفاد من القرآن المجيد حول هذا الخلق المستور والخالية من كل الخرافات والمسائل غير العلمية، ولكنّنا نعلم أن السذج والجهلاء ابتدعوا خرافات كثيرة فيما يخص هذا الكائن بما يتنافي مع العقل والمنطق، منها ما نسب إليهم الأشكال الغريبة والعجيبة والمرعبة، وأنّهم موجودات سامة وذوات أذناب! مؤذية، ومبغضة، سيئة التصرف والسلوك إذ يمكن أن تحرق دوراً بمجرّد أن يسكب إناء ماء مغلي في بالوعة مثلاً، وأوهام أُخرى من هذا القبيل، في حين أنّ أصل الموضوع إذا تمّ تطهيره من هذه الخرافات قابلاً للقبول، لأننا لا نملك دليلاً على حصر الموجودات الحية بما نحن نراه، بل يقول علماء العلوم الطبيعية: إنّ الكائنات التي يستطيع الإنسان أن يدركها بحواسه ضئيلة بالنسبة للموجودات التي لا تدرك بالحواس. وفي الفترة الأخيرة وقبل أن يكشف المجهر هذه الكائنات الحية، لم يصدق أحد أنّ هناك الآلاف المؤلفة من الموجودات الجية المتواجدة في قطرة الماء أو الدم لا يمكن للإنسان أن يراها ويقول أيضاً: إنّ أعيننا ترى ألواناً محددة، وكذا آذانناً تسمع أمواجاً صوتية محددة، والأولوان والأصوات التي لا ندركها بآذاننا وأعيننا أكثر بكثير من تلك التي تدرك، وعندما تكون الدنيا بهذا الشكل لا يبقى موضع للتعجب من وجود هذه الكائنات الحية، والتي لا يمكن لنا إدراكها بالحواس، ولم لا نتقبل ذلك عندما يخبرنا انسان صادق كالنّبي العظيم (ص). على أي حال فإنّ القرآن المجيد قد أخبرنا من جهة بوجود الجن وخصوصياته المذكورة سلفاً، ومن جهة أُخرى ليس هناك دليل عقلي على عدم وجود الجن، ولهذا لابدّ من الإعتقاد بهم، وتجنب الأقوال التي لا تليق بهم كما في خرافات العوام. وممّا يلاحظ أيضاً أنّ لفظ الجن يطلق أحياناً على مفهوم أوسع يشمل أنواعاً من الكائنات المستورة أعم من الكائنات ذوات العقل والإدراك ولفاقدة لهما، وحتى مجاميع الحيوانات التي ترى بالعين والمختفية في الأوكار أيضاً، والدليل على ذلك روايات وردت عن النّبي (ص) حيث قال: "خلق اللّه الجن خمسة أصناف: صنف كالريح في الهواء، وصنف حيات، وصنف عقارب، وصنف حشرات الأرض، وصنف كنبي آدم عليهم الحساب والعقاب" (30). وبالتوجه إلى هذه الرّوايات ومفهومها فسوف تحلّ الكثير من المشاكل التي تطرح في الرّوايات والقصص الخاصّة بالجن. ففي رواية وردت عن أمير المؤمنين (ع) حيث قال: "لا تشرب الماء من ثلمة الإناء ولا عروته، فإنّ الشيطان يقعد على العروة والثلمة".(31) لأنّ الشيطان هو من الجن، ولأنّ ثلمة الإناء وعروته محل لإجتماع المكروبات المتنوعة، فلا يستبعد أن يكون الجن والشيطان بمفهومه العام شاملاً لمثل هذه الكائنات، وإن كان المعنى الخاص له هو الكائن ذو فهم وشعور وإنّه مكلّف ومسؤول، والرّوايات كثيرة في هذا الباب. ربّنا! ألطف بنا يوم يحضر الجن والإنس في محكمة عدلك، ويوم يندم المسيؤون على ما عملوا. اللّهم! إنّ أركان ملكك واسعة ومعرفتنا ومعلوماتنا محدودة، فاحفظنا وصنّا من المزالق والخطايا والحكم بغير الحقّ. إلهنا! إنّ مقام رسولك الكريم من العظمة والسمو أن آمن به الجن مضافاً إلى الإنس، فاجعلنا من المؤمنين بدعوته... آمين ربّ العالمين انتهاء سورة الجن ﴿لِيَعْلَمَ﴾ الله علم ظهور ﴿أَن﴾ المخففة ﴿قَدْ أَبْلَغُوا﴾ أي الرسل ﴿رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ بلا تغيير ﴿وَأَحَاطَ﴾ وقد أحاط الله قبل ﴿بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ من العلم والحكمة ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾.