لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ يبيّن الهدف النهائي لهذا الأمر المهم والشاق فيقول: (إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) ذكر المفسّرين في القول الثقيل أقوالاً مختلفة، لكن الملاحظ أن ثقل القول يراد به القرآن المجيد بأبعاده المختلفة... ثقيل بلحاظ المحتوى ومفاهيم الآيات. ثقيل بلحاظ حمل على القلوب له لما يقوله القرآن: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية اللّه) (2). ثقيل بلحاظ الوعد والوعيد وبيان المسؤوليات. ثقيل بلحاظ التبليغ ومشاكل طريق الدعوة. وثقيل في ميزان العمل وفي عرصة القيامة، وبالتالي ثقيل بلحاظ تخطيطه وتنفيذه بشكل تام. نعم، وإن قراءة القرآن وأن كانت سهلة وجميلة ومؤثرة، ولكن تحقق مفاده ليس باسهل اليسير بالخصوص في أوائل الدعوة النّبوية في مكّة حيث الظلام والجهل وعبادة الأصنام والخرافات، إذ أنّ الأعداء المتعصبين القساة كانوا قد تكاتفوا ضد الرّسول (ص)، ولكن الرّسول (ص) وأصحابه القلائل استطاعوا أن يتغلبوا على كل تلك هذه المشاكل باستمدادهم من تربية القرآن، والإستعانة بصلاة الليل، وبالإستفادة من قربهم من ذات اللّه المقدسة، واستطاعوا بذلك حمل هذا القول الثقيل والوصول إلى مرادهم. بحوث 1 - قيام الليل بتلاوة القرآن والدعاء قلنا إنّ الرّسول (ص) وإن كان هو المخاطب في هذه الآيات، ولكن آخر السورة يشير إلى وجود مؤمنين كانوا معه في هذا العمل، والسؤال هو هل أنّ إحياء الليل كان واجباً على الجميع في أوائل دعوته أم لا؟ قال البعض: إنّ هذا الأمر كان واجباً في البدء ثمّ نسخ بالآية الأخيرة للسورة ومدّة ذلك حوالي السنة، حتى وأنّ البعض ذهب إلى أنّ هذا الحكم كان قبل تشريع الصلوات الخمس، ثمّ نسخ هذا الحكم بعد تشريعها، ولكن المرحوم الطبرسي (رحمه الله) كما ذكر في تفسيره "مجمع البيان" أنّ ظاهر آيات هذه السورة لا يشير إلى النسخ، الأفضل هو القول بأنّ هذه العبادة مستحبة وسنّة مؤكّدة، ولم يكن لها طابع الوجوب إلاّ لشخص النّبي (ص) كما في بعض الآيات الأُخرى للقرآن، ولا مانع ذلك من وجوبها على النّبي (ص) واستحبابها على المؤمنين، ومضافاً إلى أنّ الآيات المذكورة لا تنحصر بصلاة الليل، لأنّها لم تشغل نصف ممن الليل أو ثلثي الليل بل وحتى ثلثه، وما ذكر في الآية هو النهوض لترتيل القرآن. فعلى هذا كان الحكم في البدء مستحبّاً مؤكّداً ثمّ خفف، وبما أنّ بداية كلّ عمل بالخصوص بداية الثورة العظيمة، يحتاج إلى قدره وقوّة أكثر من أي وقت، فلا عجب في أن يصدر مثل الأمر العظيم للنّبي (ص) وأصحابه، وذلك أن يقوموا لقسط وافر من الليل ليتعرفوا ويتفهموا محتوىْ هذا العمل الجديد وعلى تعاليمه الثورية، ولتطبيق ذلك لابدّ أن يروضوا أرواحهم بالعلم والمعرفة. 2 - معنى التّرتيل إنّ ما أكّدت على الآيات المذكورة هو الترتيل وليس قراءة القرآن، ووردت روايات عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) في معنى الترتيل كلّ منها يشير إلى بعد من أبعاد هذه الكلمة الواسعة. فقد ورد في حديث عن أمير المؤمنين (ع): "بينه بياناً ولا تهذَّه هذَّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل، ولكن اقرع به القلوب القاسية، ولا يكوننّ همّ أحدكم آخر السورة" (3). ونقرأ في حديث آخر ورد عن الإمام الصّادق (ع): "إذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فأسأل اللّه الجنّة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النّار فتعوذ باللّه من النار" (4). وفي رواية اُخرى عنه (ع): "هو أن تتمكث فيه وتحسن به صوتك" (5)، وعنه أيضاً: "أنّ القرآن لا يقرأ هذرمةً، ولكن يرتل ترتيلاً وإذا مررت بآية فيها ذكر النّار وقفت عندها وتعوذت باللّه من آلنّار" (6). وقد نقل عن حالات النّبي (ص) أنّه كان يقطع قراءته آية آية، ويمدُ صوته مدّاً (7)، هذه الرّوايات والرّوايات الأُخرى المنقولة بنفس المضمون في كتاب الكافي ونور الثقلين والدر المنثور وبقية الكتب الأُخرى من كتب الحديث والتّفسير تشير إلى ضرورة التمعن في كلمات القرآن، والتدبّر فيها وتذكر بأنّ القرآن هو خطاب اللّه تعالى للإنسان. ولكن وللأسف إنّ الكثير من المسلمين ابتعدوا عن هذا الواقع، واكتفوا بالتلفظ وغدا همّهم ختمه، من دون الإهتمام بمعرفة سبب نزوله ومحتواه! صحيح أنّ ألفاظ القرآن عظيمة ولقراءتها فضيلة، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّ هذه الألفاظ وتلاوتها هي مقدمة لبيان المحتوى. 3 - فضيلة صلاة الليل هذه الآيات تبيّن أهمّية إحياء الليل بالعبادة وقراءة القرآن عندما يكون الغافلون نياماً، وكما أشرنا من قبل فإنّ العبادة في الليل وبالخصوص عند السحر لها الأثر البالغ في تصفية الروح وتهذيب النفوس والتربية المعنوية للإنسان وطهارة القلب وإيقاظه، وكذا في تقوية الإيمان والإرادة، وتوكيد اركان التقوى في الروح والقلب، ويمكن لمس ذلك بمجرّد الإختيار مرّة واحدة، وقد أكّدت الرّوايات على ذلك بالإضافة إلى ما ذكرته الآيات القرآنية. منها ورد عن الإمام الصّادق (ع): "إنّ من روح اللّه تعالى ثلاثة، التهجد بالليل، وإفطار الصّائم، ولقاء الإخوان" (8). وعنه أيضاً (ع) في تفسير: (إنّ الحسنات يذهبن السيئات) قال: "صلاة الليل تذهب بذنوب النهار" (9). ولنا بحث مفصل في هذا الباب في ذيل الآية (79) من سورة الإسراء، وقد نقلنا بهذا الشأن عشرة أحاديث رائعة في أهمية صلاة الليل. ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ هو القرآن لما فيه من التكاليف الشاقة سيما على النبي أو ثقيلا تلقيه فإنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يتغير حاله ويعرق عند نزوله أو إدراك معانيه أو في الميزان أو على الكفار أو رزينا له موقع لأنه حكمه.