التفسير:
تأثير الدعاء والمناجاة في أعماق الليل:
تستمر هذه الآيات في البحث حول عبادة الليل والتعاليم المعنوية الموجودة قراءة القرآن في الليل، وهي بمنزلة بيان الدليل على ما جاء في الآيات السالفة، فيقول تعالى: (إنّ ناشئة الليل هي أشدُّ وطأً وأقوم قيلاً) (1).
"الناشئة": من مادة (نشأ)، على وزن نثر، وتعني الحادثة، وقد ذكر هنا ثلاثة تفاسير لما يراد منها.
الأوّل: المراد به ساعات الليل الحادثة بالتوالي، أو أنّها تخصّ الساعات الأخيرة لليل والسحر.
والثاني: إنّ المراد هو إحياء الليل بالصلاة والعبادة وقراءة القرآن كما ورد في حديث عن الإمامين الصادق والباقر (عليهما السلام) حيث قالا: "هي القيام في آخر الليل إلى صلاة الليل" (2).
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (ع) في تفسير هذه الآية، قال: "قيامه عن فراشه لا يريد إلاّ اللّه".(3)
والثّالث: الحالات المعنوية والروحية والنشاط والجذوة الملكوتية التي تحصل في القلب الإنسان وروحه في هذه الساعات الخاصّة بالليل، والتي تكون آثارها في روح الإنسان أعمق واستمرارها أكثر، والتّفسيران الثّاني والثّالث متلازمان، ويمكن جمعها في ما يراد بمعنى الآية.
"وطأً": تعني في الأصل وضع القدم، وتعني كذلك الموافقة.
والتعبير بـ (أشدّ وطأً): العناء والمشقّة الحاصلة في عبادة الليل، أو أنّه يعني التأثيرات الثابتة والراسخة الحاصلة من شعاع هذه العبادات في روح الإنسان، والمعنى الثّاني أوجه.
ويحتمل أن يراد له التوافق الحاصل بين قلب الإنسان وعينه وأُذنه وبالتالي تعبئتها في طريق العبادة.
"أقوم": من القيام، ويراد بكونها أثبت للقول وأصوب لحضور القلب.
"قيلاً": تعني القول، وتشير هنا إلى ذكر اللّه وقراءة القرآن.
ومحصلة ذلك أنّ هذه الآية من الآيات التي تحتوي على أبلغ الأحاديث حول العبادة الليلية، ورمز إظهار المحبّة مع المحبوب في ساعات يختلي فيها الحبيب بحبيبه وأكثر من غيرها.
﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾ القيام في الساعات الآخرة للصلاة أو النفس التي تنشأ أي تنهض من منامها للعبادة ﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا﴾ أي ثقلا أو ثبات قدم ﴿وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ أصوب قولا وقراءة لفراغ البال.