وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى: (إنّ هذه تذكرة).
إنّكم مخيرون في اختيار السبيل، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلاً، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى اللّه بالآجبار والإكراه، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.
والخلاصة أنّ اللّه تعالى هدى الإنسان إلى النجدين، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها، أو إشارة إلى القرآن المجيد.
ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة، والمخاطب هو النّبي (ص) والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين، ولهذا فإنّ المراد من "السبيل" في الآية هو صلاة الليل، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى اللّه تعالى، كما ذكرت في الآية (26) من سورة الدهر بعد أن اُشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى: (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً).
ويقول بعد فاصلة قصيرة: (إنّ هذه تذكرة فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلاً)
وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها (6).
وبالطبع هذا التّفسير مناسب، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقاً.
ملاحظة:
المراحل الأربع للعذاب الإلهي
الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم: النكال، الجحيم، الطعام ذوالغصّة، والعذاب الأليم، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.
فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.
الحياة المرفهة ثانياً.
لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.
والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن اللّه تعالى.
﴿إِنَّ هَذِهِ﴾ الآيات المخوفة ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ عظة ﴿فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ﴾ إلى رضاه ﴿سَبِيلًا﴾ بالاتعاظ والإيمان والطاعة.