وفي آخر آية من آيات مورد البحث يقول تعالى: (عليها تسعة عشر).(2)
إنّهم ليسوا مأمورين بالرحم والشفقة، بل إنّهم مأمورين بالعذاب والغلظة، وأمّا الآية الأُخرى التي تليها فإنّها تشير إلى أنّ هذا العدد هم ملائكة العذاب، وقيل إنّها تشير إلى تسع عشرة مجموعة من الملائكة، وليس تسعة عشر نفراً، ودليل ذلك قوله تعالى: (وما يعلم جنود ربّك إلاّ هو).
وأمّا عن سبب اختيار هذا العدد من ملائكة العذاب، فلا يدري أحد عن ذلك شيئاً، ولكن احتمل البعض أنّ المراد من ذلك هو لكونُ أكبر عدد للأحاد وأقل عدد للعشرات، وقيل لكون اُصول الأخلاق الرذيلة ترجع إلى 19 أصل ظاهرة وباطنة، فلذا تكون كلّ رذيلة من الرّذائل عاملاً للعذاب الإلهي، وإنّ طبقات جهنّم هي تسع عشرة طبقة أي بعددها، ولكل طبقة ملك أو مجموعة من الملائكة مأمورين بالعذاب.
ومن المؤكّد أنّ الأُمور المرابطة بالقيامة والجنان والجحيم وجزئياتها وخصوصياتها غير واضحة لدينا تمام الوضوح، ونحن نعيش في هذا المحيط المحدود، والذي نعرفه إنّما يتعلق بكلياتها، لذا نجد في الرّوايات أنّ لهذه الملائكة قدرات عظيمة بحيث يمكن لكل ملك أت يقذف قبيلة كبيرة في جهنّم بسهولة، ومن هنا يتّضح ضعف وعجز أفكار اناس من قبيل أبي جهل، إذ أنّه لما سمع بالآية جاء مستهزئاً إلى قريش، وقال: ثكلتكم اُمهاتكم ألم تسمعوا ما يقوله ابن أبي كبشة (بعني بذلك النّبي (ص)) (3) يقول إنّ خزنة النّار تسعة عشر وأنتم الدّهم أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم؟!
فقال أبو الأسد الجمحي وكان شديد البطش: أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين (4) لقد أراد السفهاء أن يطفئوا بهذه السخرية نور الحق، وأن يتخلصوا بذلك من الفناء المحتم.
ملاحظة:
ملائكة العذاب تسعة عشر:
هذه الآية تشير بوضوح إلى عدد خزنة جهنم بأنّهم تسعة عشر نفراً أو تسعة عشرة مجموعة، والآيات التي تليها تعتمد على هذا المعنى، ولكن العجب من أنّ بعض الفرق المنحرفة تصر على قدسية هذا العدد، وتسعى إلى أن تجعل من عدد شهور السنة وأيّام نظاماً يدور حول محور هذا العدد، بخلاف جميع الموازين الطبيعية والفلكية! وجعلوا أحكامهم العملية مطابقاً لذلك النظام، والأعجب من ذلك أنّ كاتباً من الكتاب يمكن أن تكون له علاقة بتنظيماتهم يصّر إصراراً عجيباً ومضحكاً على أن يجعل كل ما في القرآن موجّهٌ على أساس هذا العدد، وفي الموارد الكثيرة في القرآن التي لا تتفق مع هذا العدد المرغوب عنده يعمد إلى إضافة أو حذف ما يرغب فيه ليتفق مع ذلك العدد أو مع مضاربه، وإيراد مطاليبها والإجابة عليها يمكن أن تعتبر إتلافاً للوقت.
نعم فالمذهب الجهنمي يجب أن يدور حول عدد جهنمي، وجماعة جهنميون يجب أن يتوافقوا مع عدد ملائكة العذاب.
﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ ملكا خزنتها مالك ومن معه قيل لما نزلت قال أبو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فقال بعضهم أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين فنزل.