لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التفسير: لِمَ هذا العدد من أصحاب النّار؟ ذكر اللّه سبحانه وتعالى كما قرأنا في الآيات السابقة عدد خزنة جهنم ومأموريها وهم تسعة عشر نفراً (أو مجموعة)، وكذا قرأنا أنّ ذكر هذا العدد صار سبباً للحديث بين أوساط المشركين والكفّار، واتّخذ بعضهم ذلك سخرية، وظنّ القليل منهم أنّ الغلبة على اُولئك ليس أمراً صعباً، الآية أعلاه والتي هي أطول آيات هذه السورة تجيب عليهم وتوضح حقائق كثيرة في هذا الصدد. فيقول تعالى أوّلاً: (وما جعلنا أصحاب النّار إلاّ ملائكة) (1). ملائكة أقوياء مقتدرون وكما يعبّر القرآن غلاظ شداد قساة، في مقابل المذنبين بجمعهم الغفير وهم ضعفاء عاجزون. ثمّ يضيف تعالى: (وما جعلنا عدّتهم إلاّ فتنة للذين كفروا). وهذا الإختبار من وجهين: الوجه أوّلاً: لأنّهم كانوا يستهزئون بالعدد تسعة عشر، ويتساءلون عن سبب اختيار هذا العدد، في حين لو وضع عدد آخر لكانوا قد سألوا السؤال نفسه. والوجه الثّاني: أنّهم كانوا يستقلون هذا العدد ويسخرون من ذلك بقولهم: لكل واحد منهم عشرةٌ منّا، لتكسر شوكتهم. في حين أنّ ملائكة اللّه وصفوا في القرآن بأنّ نفراً منهم يؤمرون بإهلاك قوم لوط (ع) ويقلبون عليهم مدينتهم، مضافاً إلى ما اُشير إليه سابقاً حول اختيار عدد تسعة عشر لأصحاب النّار. ثمّ يضيف تعالى أيضاً: (ليستيقن الذين اُوتوا الكتاب). ورد في رواية أنّ جماعة من اليهود سألوا أحد أصحاب النّبي (ص) عن عدد خزنة النّار فقال: "اللّه ورسوله أعلم" فهبط جبرائيل (ع) على النّبي (ص) بالآية (عليها تسعة عشر).(2) وسكوت هؤلاء اليهود وعدم اعتراضهم على هذا الجواب يدلّ على أنّه موافقاً لما هو مذكور في كتبهم، وهذا مدعاة لإزدياد يقينهم بنبوة النّبي (ص)، وصار قبولهم هذا سبباً في تمسك المؤمنين بإيمانهم وعقائدهم. لذا تضيف الآية في الفقرة الأُخرى: (ولا يزداد الذين آمنوا إيماناً). ثمّ تعود مباشرة بعد ذكر هذه الآية إلى التأكيد على تلك الأهداف الثلاثة، إذ يعتمد مجدداً على إيمان أهل الكتاب، ثمّ المؤمنين، ثمّ على اختبار الكفّار والمشركين، فيقول: (ولا يرتاب الذين اُتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد اللّه بهذا مثلاً) (3). وأمّا من يقصد به في قوله: (الذين في قلوبهم مرض) فقيل المراد منهم المنافقون، لأنّ هذا التعبير كثيراً ماورد فيهم في آيات القرآن كما هو في الآية (10) من سورة البقرة التي تتحدث حول المنافقين بقرينة الآيات السابقة لها واللاحقة حيث نقرأ: (في قلوبهم مرض فزادهم اللّه مرضاً) وبهذا الدليل تمسكوا بمدنية الآية السابقة، لأنّ المنافقين نشؤوا في المدينة عند اقتدار الإسلام وليس بمكة، ولكن تحقيق موارد ذكر هذه العبارة في القرآن الكريم يشير إلى أنّ هذه العبارة غير منحصرة بالمنافقين، بل اُطلقت على جميع الكفّار والمعاندين والمحاربين لآيات الحقّ، وعطفت أحياناً على المنافقين حيث يمكن أن يكون دليلاً على ثنائيتهم، فمثلاً نقرأ في الآية (49) من سورة الأنفال: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرّ هؤلاء دينهم) وكذا في الآيات الأُخرى، لذا ليس هناك دليل على نفي مكية الآية، خصوصاً لما من توافق وإرتباط كامل من الآيات السابقة لها والتي تشير بوضوح إلى مكيّتها. ثمّ يضيف حول كيفية استفادة المؤمنين والكفّار الذين في قلوبهم مرض من كلام اللّه تعالى: فيقول تعالى: (كذلك يضل اللّه من يشاء ويهدي من يشاء). إنّ الجمل السابقة تشير بوضوح إلى أنّ المشيئة والإرادة الإلهية لهداية البعض واضلال البعض الأخر ليس اعتباطاً، فإنّ المعاندين والذين في قلوبهم مرض لا يستحقون إلاّ الضلال، والمؤمنون والمسلّمون لأمر اللّه هم المستحقون للهدى. ويقول في نهاية الآية: (وما يعلم جنود ربّك إلاّ هو وما هي إلاّ ذكرى للبشر). فالحديث عن التسعة عشر من خزنة النّار، ليس لتحديد ملائكة اللّه تعالى، بل إنّهم كثيرون جدّاً أنّ الرّوايات تصفهم أنّهم يملؤون السموات والأرض، وليس هناك موضع قدم في العالم إلاّ وفيه ملك يسبح للّه! واحتمل المفسّرون احتمالات عديدة في مَن يعود الضمير "هي"، فقيل: يعود على الجنود ومنهم خزنة النّار، وقيل: على سقر، وقيل: على آيات القرآن (السورة)، والقول الأوّل أنسب وأوجه، وإن كانت بقية الأقوال مدعاة للتذكر والإيقاظ والمعرفة، ولأنّ الأوّل يبيّن حقيقة أنّ اللّه تعالى إنّما اختار لنفسه ملائكة وأخبر عن عددهم ليكون ذكرى لمن يتعظ بها، لا لكونه غير قادر على معاقبة كل المذنبين والمعاندين. ملاحظة: عدد جنود الرّب! حضور اللّه تعالى في كلّ مكان واتساع قدرته في العالم يفهمنا أنّ ذاته المقدّسة غير محتاجة لأي ناصر أو معين، لكنّه لإظهار عظمته للخلائق ولتكون ذكرى لمن يتعظ اختار ملائكة وجنوداً كثيرين مطيعين لأمره تعالى. وقد ذكرت الرّوايات عبارات عجيبة حول كثرة وعظمة وقدرة جنود اللّه والسماع لهذه الأخبار يثير العجب والدهشة و لا تتفق مع مقاييسنا المتعارفة، ولذا نقنع بقراءة أوّل. خطبة في نهج البلاغة للإمام علي (ع) حول هذا الموضوع حيث يقول (ع): "ثمّ فتق ما بين السموات العلا، فملأهن أطواراً من ملائكته، فهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، صافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولافترة الأبدان، ولا غفلة النسيان، ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره، ومنهم الحفظة لبعاده والسدنة لأبواب جنانه، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة، وأستار القدرة، لا يتوهمون ربّهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر"وكما قلنا سابقاً إنّ لكلمة (ملك) مفهوماً واسعاً حيث يشمل الملائكة الذين يملكون العقل والشعور والطاعة والتسليم، وكذلك كثير من عناصر وقوى عالم الوجود. ولنا شرح مفصل حول هذا الموضوع في تفسير الآيات الأولى لسورة فاطر وما يليها. ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾ فلا يطاقون لشدتهم ولا يرحمون لعدم مجانستهم لكم ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ محنة لهم ليظهر كفرهم باعتراضهم لم كانوا تسعة عشر أو استهزائهم المذكور ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لإخباره بما يوافق ما في كتبهم من عدتهم﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ بالإيمان به ﴿وَلَا يَرْتَابَ﴾ فيه ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ نفاق مما سيحدثون بالمدينة فهو إخبار بالغيب ﴿وَالْكَافِرُونَ﴾ علانية بمكة ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا﴾ العدد ﴿مَثَلًا﴾ سموه به استغرابا له ﴿كَذَلِكَ﴾ الإضلال أي الخذلان لمنكر هذا العدد ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء﴾يخذله لعدم نفع اللطف فيه ﴿وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾ بلطفه لانتفاعه ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ﴾ في قوتهم وكثرتهم ﴿إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ﴾ أي سقر أو السورة ﴿إِلَّا ذِكْرَى﴾ تذكرة ﴿لِلْبَشَرِ﴾.