إنَّ اختبار الإنسان بحاجة إلى عاملين آخرين، هما: "الهداية" و"الإختبار" بالإضافة إلى المعرفة ووسائلها، فقد أشارت الآية التالية إلى ذلك: (إنَّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً) (5).
إنّ للهداية هنا معنى واسعاً، فهي تشمل "الهداية التكوينية" و"الهداية الفطرية" وكذلك "الهداية التشريعية" وإن كان سياق الآية يؤكّد على الهداية التشريعية.
توضيح:
إنّ الله قد خلق الإنسان لهدف الإبتلاء والإختبار والتكامل، فأوجد فيه المقدمات لكي يصل بها إلى هذا الهدف، ووهبه القوى اللازمة لذلك، وهذه هي (الهداية التكوينية)، ثمّ جعل في أعماق فطرته عشقاً لطي هذا الطريق، وأوضح له السبيل عن طريق الإلهام الفطري، فسمي ذلك بـ (الهداية الفطرية)، ومن جهة أُخرى بعث القادة السماويين والأنبياء العظام لإراءة الطريق بالتعليمات والقوانين النيّرة السماوية، وذلك هو "الهداية التشريعية"، وجميع شعب الهداية الثلاث هذه لها صبغة عامّة، وتشمل جميع البشر.
وعلى المجموع فإنّ الآية تشير إلى ثلاث مسائل مهمّة مصيرية في حياة الإنسان: "مسألة التكليف"، و"مسألة الهداية"، ومسألة "الإرادة والإختيار" والتي تعتبر متلازمة ومكمّلة بعضها للبعض الآخر.
التعبير بـ (شاكراً) و (كفوراً) يعتبر أفضل تعبير ممكن في هذه الآية، لإنّه مَنْ قابل النِعَمِ الإلهية الكبيرة بالقبول واتخذ طريق الهداية مسلكاً، فقد أدّى شكر هذه النعمة، وأمّا من خالف فقد كفرها.
وبما أنَّ الإنسان لا يتمكن من تحقيق الشكر الحقيقي، فقد عبّر عن الشكر باسم الفاعل، والحال أنّ الكفران جاء بصيغة المبالغة فقال: (كفور)، لأنّ عدم اهتمامهم بهذه النعم الكبيرة يعتبر كفراناً شديداً منهم باعتبار أنَّ الله عزَّ وجلّ وضع وسائل الهداية تحت تصرفهم، ولذا فإنَّ إهمال هذه الوسائل والمواهب والغضّ عنها واتخاذ السبيل المنافي لها يعتبر كفراناً شديداً.
والجدير بالذكر أنّ كلمة (كفور) تستعمل لكفران النعمة، وكذلك للكفر الإعتقادي، وهو ما أورده الراغب في مفرداته.
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ بنصب الأدلة ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.