لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول: البرهان العظيم على فضيلة أهل بيت النّبي: قال ابن عباس: إنَّ الحسن والحسين مرضا فعادهما الرسول (ص) في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إنْ برئا مّما بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام (طبقاً لبعض الرّوايات أنَّ الحسن والحسين أيضاً قالا نحن كذلك ننذر أن نصوم) فشفيا وما كان معهم شيء، فاستقرض علي (ع) ثلاث أصواع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، وقال: السلام عليكم، أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثزوه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً. فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه (وباتوا مرة أُخرى لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً) ووقف عليهم أسير في الثّالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك. فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله (ص)، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: "ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم" فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عنياها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل (ع) وقال: خذها يا محمد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة. وقيل: إنّ الذي نزل من الآيات يبدأ من: (إنّ الأبرار) حتى (كان سعيكم مشكوراً) ومجموعها (18) آية. ما أوردنا هو نص الحديث الذي جاء في كتاب "الغدير" بشيء من الاختصار كقدر مشترك وهذا الحديث من بين أحاديث كثيرة نقلت في هذا الباب، وذكر في الغدير أنّ الرّواية المذكورة قد نقلت عن طريق (34) عالماً من علماء أهل السنّة المشهورين (مع ذكر اسم الكتاب والصفحة). وعلى هذا، فإنّ الرّواية مشهورة، بل متواترة عند أهل السنة (1). واتفق علماء الشيعة على أنّ السورة أو ثمان عشرة آية من السورة قد نزلت في حق علي وفاطمة (عليهما السلام)، وأوردوا هذه الرّواية في كتبهم العديدة واعتبروها من مفاخر الرّوايات الحاكية عن فضائل أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، واشتهارها كان مدعاة لذكرها في الأشعار حتى أنّها وردت في شعر (الإمام الشافعي) وتثار عند المتعصبين هنا حساسيات شديدة بمجرّد سماعهم رواية تذكر فضائل أمير المومنين (ع) فيعمدون إلى اثارة العديد من الاشكالات بهذا الشأن، ومنها: 1 - إدعاؤهم مكّية السورة، والحال أنّ القصّة حدثت بعد ولادة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وما كانت ولادتهما إلاّ بالمدينة! وفي أيدينا دلائل واضحة كما بينّا في شرح صدر السورة، إذ أنّ السورة تشير إلى أنّها مدنّية، وإن لم تكن بتمامها فإنّ (18) آية منها مدنيّة. 2 - قولهم: إنّ لفظ الآية عام، فكيف يمكن تخصيص ذلك بأفراد معيّنين، ولكن عمومية مفهوم الآية لا ينافي نزولها في أمر خاص، وهناك عمومية في كثير من آيات القرآن، والحال أنّ سبب نزولها الذي يكون مصداقاً تامّاً لها في أمر خاص، والعجب لمن يتخذ من عمومية مفهوم آية ما دليلاً على نفي سبب النزول لها. 3 - نقل بعضهم أسباباً أُخرى لنزول هذه السورة لا تتفق مع السبب الذي ذكرناه في نزول الآية، منها ما نقله السيوطي في الدرّ المنثور قال: إنّ رجلاً أسود كان يسأل النّبي عن التسبيح والتهليل، فقال له عمر بن الخطاب: مه أكثرت على رسول الله، فقال النّبي (ص): "مه يا عمر" وأنزلت على رسول الله هل أتى (2). وفي الدرّ المنثور عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله فقال له رسول الله: "سل واستفهم"، فقال: يا رسول الله فُضِّلتم علينا بالألوان والصور والنبوة، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إنّي لكائن معك في الجنّة؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده، إنّه ليرى بياض الأسود في الجنّة من مسيرة ألف عام" ثمّ بيّن ما يترتب من الثواب لمن يقول لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده، ونزلت عليه السورة (هل أتى) (3). إنّ ما ذكر في هذه الرّوايات لا يتناسب مع مضمون آيات السورة، والمتوقع هو وضع هذه الرّواية من قبل عمال بني اُميّة وتزويرها لدحض ما تقدم وما قيل في سبب النزول في حق علي (ع). 4 - الإحتجاج الآخر الذي يمكن ذكره هنا: كيف يمكن لإنسان أن يصوم ثلاثة أيّام ولا يفطر إلاّ بالماء؟! إنَّ هذا الإشكال مدعاة للعجب، لأنّنا نرى تطبيق ذلك عند بعض الناس، إذ أنّ بعض المعالجات الطبية تستدعي الإمساك لمدة (40) يوماً، ولا يتناول خلال الأربعين يوماً إلاّ الماء، ممّا أدّى ذلك إلى شفاء الكثير من الأمراض بهذه الطريقة، حتى أنَّ طبيباً من الأطباء غير المسلمين يدّعى (ألكسي سوفورين) كتب كتاباً في باب الآثار المهمّة في الشفاء من جراء الإمساك مع ذكر أُسلوب دقيق لذلك (4) حتى أنّ بعض زملاؤنا المشتركين معنا في تأليف كتاب التفسير الأمثل قضى إمساكاً لمدّة (22) يوماً. 5 - البعض الآخر أراد الإستهانة بهذه الفضيلة فجاء من طريق آخر كالآلوسي إذ يقول: إن قلنا إنّ هذه السورة لم ترِد في حق علي وفاطمة لم ينزل من قدرهم وشأنهم شيء، لأنّ اتصافهم بالأبرار أمرٌ واضح للجميع، ثمّ يبدأ بتبيان بعض فضائلهم فيقول: ماذا يمكن أن يقوله الإنسان في حقّ هذين العظيمين غير أنّ علياً (ع) أمير المؤمنين ووصي رسول الله، وأنّ فاطمة بضعة رسول الله، وأنّها جزء من الوجود المحمدي، وأنّ الحسنين روحه وريحانتاه وسيدا شباب أهل الجنّة، ولكن لا يعني ذلك ترك الآخرين، ومن يتبع غير هذا فهو ضال. ولكنّنا نقول إنّنا إذا ما تغاضينا عن هذه الفضيلة، فإنّ عاقبة بقية الأحاديث ستكون بنفس المنوال، وربّما يحين يوم ينكر فيه البعض جميع فضائل أمير المؤمنين وسيّدة النساء والحسنين (عليهم السلام)، والملاحظ أنّ أمير المؤمنين (ع) قد احتج على مخالفيه في كثير من المواطن بهذه الآيات لتبيان حقوقه وفضائله وأهل بيته (5). ثمّ إنّ ذكر الأسير الذي أطعموه، خير دليل على نزول الآيات بالمدينة، إذ لم يكن للمسلمين أسير بمكّة لعدم شروع الغزوات. والملاحظة الأخيرة التي لابدّ من ذكرها هنا هو قول بعض العلماء المفسّرين ومنهم المفسّر المشهور الآلوسي، وهو من أهل السنّة قال: إنّ كثيراً من النعم الحسية قد ذكرت في السورة إلاّ الحور العين التي غالباً ما يذكرها القرآن في نعم الجنان، وهذا إنّما هو لنزول السورة بحق فاطمة وبعلها وبنيها (عليهم السلام) وإنّ الله لم يأت بذكر الحور العين إجلالاً واحتراماً لسيدة نساء العالمين! لقد طال الحديث في هذا الباب إلاّ أنّنا وجدنا أنفسنا مضطرين لمجابهة وإبطال إشكالات المتعصبين وذرائع المعاندين. التفسير: جزاء الأبرار العظيم أشارت الآيات السابقة الى العقوبات التي تنتظر الكافرين بعد تقسيمهم إلى جماعتين وهي "الشكور" و"الكفور"، والآيات في هذا المقطع تتحدث المكافآت التي أنعم الله بها على الأبرار وتذكّر بأُمور ظريفة في هذا الباب، فيقول تعالى: (إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً). "الأبرار": جمع (بر) وأصله الإتّساع، وأُطلق البر على الصحراء لاتساع مساحتها، وتطلق هذه المفردة على الصالحين الذين تكون نتائج أعمالهم واسعة في المجتمع، و"البِر" بكسر الباء هو الإحسان، وقال بعض: إنّ الفرق بين البر والخير هو أنّ البر يراد به الإحسان مع التوجه والإرادة، وأمّا الخير فإنّ له معنى أعمّ. "كافور": له معان متعددة في اللّغة، وأحد معانيها المعروفة الرائحة الطيبة كالنبتة الطيبة الرائحة، وله معنىً آخر مشهور هو الكافور الطبيعي ذو الرائحة القوية ويستعمل في الموارد الطبية كالتعقيم. على كل حال فإنّ الآية تشير إلى أنّ هذا الشراب الطهور معطّر جدّاً فيلتذ به الانسان من حيث الذوق والشم. وذهب بعض المفسّرين الى أنّ "كافور" اسم لأحد عيون الجنّة. ولكن هذا التّفسير لا ينسجم مع عبارة "كان مزاجها كافوراً". ومن جهة أُخرى يلاحظ أنّ "الكافور" من مادة "كفر" أي بمعنى "التغطية"، ويعتقد بعض أرباب اللغة كالراغب في المفردات أنّ اختيار هذا الاسم هو أنّ فاكهة الشجرة التي يؤخذ منها الكافور مغطاة بالقشور والأغلفة. وقيل: هو إشارة إلى شدّة بياضه وبرودته حيث يضرب به المثل، والوجه الأوّل أنسب الوجوه، لأنّه يعد مع المسك والعنبر في مرتبة واحدة، وهما من أفضل العطور. ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ﴾ جمع بر أو بار والمراد بهم علي وفاطمة وابناهما بإجماع أهل البيت وشيعتهم وتضافر روايات العامة والخاصة ﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ﴾ إناء فيه خمر أو من خمر ﴿كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ يخلق فيها رائحته وبياضه وبرده وقيل اسم عين في الجنة تشبه الكافور.