ثّم يتناول الصفة الثّالثة لهم فيقول: (ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً).
لم يكن مجرّد اطعام، بل اطعام مقرون بالإيثار العظيم عند الحاجة الماسّة للغذاء، ومن جهة أُخرى فهو إطعام في دائرة واسعة حيث يشمل أصناف المحتاجين من المسكين واليتيم والأسير، ولهذا كانت رحمتهم عامّة وخدمتهم واسعة.
الضمير في (على حبه) يعود إلى (الطعام) أي أنّهم أعطوا الطعام مع احتياجهم له، وهذا شبيه ما ورد في الآية من سورة آل عمران: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا ممّا تحبّون).
وقيل: إنّ الضمير المذكور يعود إلى "الله" الوارد في ما سبق من الآيات، أي أنّهم يطعمون الطعام لحبّهم الشديد لله تعالى، ولكن مع الالتفات الى ما يأتي في الآية الآتية يكون المعنى الأوّل أوجه.
ومعنى "المسكين" و"اليتيم" و "الأسير" واضح، إلاّ أنّ هناك أقوالاً متعددة فيما يراد بالأسير؟ قال كثيرون: إنّ المراد الاسرى من الكفّار والمشركين الذين يؤتى بهم إلى منطقة الحكومة الاسلامية في المدينة، وقيل: المملوك الذي يكون أسيراً بيد المالك، وقيل هم السجناء، والأوّل أشهر.
يرد هنا سؤال: كيف جاء ذلك الأسير إلى بيت الإمام علي (ع) طبقاً لما ورد في سبب النزول والمفروض أن يكون سجيناً؟
ويتضح لنا جواب هذا السؤال بالإلتفات إلى أنّ التاريخ يؤكّد عدم وجود سجناء في عهد النبي (ص) حيث كان (ص) يقسّمهم على المسلمين، ويأمرهم بالحفاظ عليهم والإحسان إليهم، فكانوا يطعمونهم الطعام وعند نفاذ طعامهم كانوا يطلبون العون من بقية المسلمين ويرافقونهم في الذهاب الى طلب المعونة، أو أنّ الأَسرى يذهبون بمفردهم لأنّ المسلمين كانوا حينذاك في ضائقة من العيش.
وبالطبع توسعت الحكومة الإسلامية فيما بعد، وازداد عدد الأَسرى وكذلك المجرمين، فاتخذت عندئذ السجون وصار الإنفاق عليهم من بيت المال.
على كل حال فإنّ ما يستفاد من الآية أنّ أفضل الأعمال إطعام المحرومين والمعوزين، ولا يقتصر على اطعام الفقراء من المسلمين فحسب بل يشمل حتى الأسرى المشركين أيضاً وقد أُعْتُبِرَ إطعامهم من الخصال الحميدة للأبرار.
وقد ورد في حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "استوصوا بالأسرى خيراً وكان أحدهم يؤثر أسيره بطعامه" (8).
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ حب الله أو الطعام أي مع حاجتهم إليه ﴿مِسْكِينًا وَيَتِيمًا﴾ من المسلمين ﴿وَأَسِيرًا﴾ من الكفار أخذ من دار الحرب وقيل من المسلمين ويعم المحبوس والمملوك قائلين بلسان الحال.