ويقول في الوصف الأخير للأبرار: (إنا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً) (أي الشديد) من المحتمل أن يكون هذا الحديث لسان حال الأبرار، أو قولهم بألسنتهم.
وجاء التعبير عن يوم القيامة بالعبوس والشديد للإستعارة، إذ أنّها تستعمل في وصف الإنسان الذي يقبض وجهه وشكله ليؤكد على هول ذلك اليوم، أي أنّ حوادث ذلك اليوم تكون شديدة إلى درجة أنّ الإنسان لا يكون فيه عبوساً فحسب، بل حتى ذلك اليوم يكون عبوساً أيضاً.
(قمطريراً): هناك أقوال للمفسّرين في مادته، قيل هو من (القمطر)، وقيل: مشتق من مادة (قطر) - على وزن فرش - والميم زائدة، وقيل هو الشديد، وهو الأشهر (9).
ويطرح هنا سؤال، وهو: إذا كان عمل الأبرار خالصاً لله تعالى، فلم يقولون: إنا نخاف عذاب يوم القيامة؟ وهل يتناسب دافع الخوف من عذاب يوم القيامة مع الدافع الإلهي؟
ويتضح جواب هذا السؤال بالإلتفات إلى أنّ الأبرار يسلكون السبيل على كل حال إلى الله تعالى، وإذا كانوا يخافون من عذاب يوم القيامة فإنّما هو لأنه عذاب إلهي، وهذا هو ما ورد في الفقه في باب النية في العبادة من أنّ قصد القربة في العبادة لا ينافي قصد الثواب والخوف من العقاب أو حتى اكتساب المواهب المادية الدنيوية من عند الله (كصلاة الإستسقاء)، لأنّ كل ذلك يرجع إلى الله تعالى، كالداعي على الداعي، رغم أنّ أعلى مراحل الإخلاص في العبادة تكمن في عدم التعلّق بنعم الجنان أو الخوف من الجحيم، بل يكون بعنوان (حبّ الله).
والتعبير بـ (إنا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً) شاهد على أنّ هذا الخوف من الله.
والجدير بالذكر أنّ الوصف الثاني والخامس من الأوصاف الخمسة، يشيران إلى مسألة الخوف.
غاية الأمر أنّ الكلام في الآية الأُولى عن الخوف من يوم القيامة، وفي الثانية الخوف من الله في يوم القيامة، ففي مورد وصف يوم القيامة في أنّ شرّهُ عظيم، ووصفه في مورد آخر بأنّه عبوس وشديد، وفي الحقيقة فإنّ أحدهما يصف عظمته وسعته والآخر شدّته وكيفيته.
﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا﴾ مكفهرا لشدته كالأسد العبوس أو تعبس به الكفار لهوله ﴿قَمْطَرِيرًا﴾شديد العبوس.